سيرة ابن اسحاق
محقق
سهيل زكار
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
الأولى ١٣٩٨هـ /١٩٧٨م
مكان النشر
بيروت
وقال أبو طالب أيضًا:
بكى طربًا لما رآنا محمد ... كأن لا يراني راجعا لمعاد
فبت يجافيني تهلل دمعه ... وقربته من مضجعي ووسادي
فقلت له: قرب قعودك وارتحل ... ولا تخشى مني جفوة ببلادي
وخل زمام العيس وارتحلن بنا ... على عزمة من أمرنا ورشاد
ورح «١» رائحًا في الراشدين مشيعًا ... لذي رحم في القوم غير معاد
فرحنا مع العير التي راح ركبها ... يؤمون على غوري أرض إباد
فما رجعوا حتى رأوا من محمد ... أحاديث تجلو غم كل فؤاد
وحتى رأوا حبار كل مدينة ... سجودا له من عصبة وفراد
زبيرا وتماما وقد كان شاهدًا ... دريسًا وهموا كلهم بفساد
فقال لهم قولا بحيرا وأيقنوا ... له بعد تكذيب وطول بعاد
كما قال للرهط الذين تهودوا ... وجاهدهم في الله كل جهاد
فقال ولم يملك له النصح: رده ... فإن له أرصاد كل مضاد
فإني أخاف الحاسدين وإنه ... أخو الكتب مكتوب بكل مداد
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: فشب رسول الله ﷺ يكلؤه الله ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ومعائبها لما يريد به من كرامته ورسالته، وهو على دين قومه، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأكرمهم مخالطة وأحسنهم جوارا، وأعظمهم خلقا، وأصدقهم حديثًا، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش [٥] والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين، لما جمع الله ﷿ فيه من الأمور الصالحة، وكان رسول الله ﷺ، فيما ذكر لي، يحدث عما كان يحفظه الله ﷿ به في صغره وأمر جاهليته.
_________
(١) في ع وراح.
1 / 78