(1) يا فيميون، إني قد أردت أن أعمل في بيتي عملا، فانطلق معى إليه حتى تنظر إليه، فأشارطك عليه. فانطلق معه، حتى دخل حجرته، ثم قال له: ما تريد أن تعمل في[1] بيتك هذا؟قال: كذا وكذا، ثم انتشط[2] الرجل الثوب عن الصبى، ثم قال له: يافيميون، عبد من عباد الله أصابه ما ترى، فادع الله له. فدعا له فيميون، فقام الصبى ليس به بأس. وعرف فيميون أنه قد عرف، فخرج من القرية واتبعه صالح، فبينما هو يمشى في بعض الشام إذ مر بشجرة عظيمة. فناداه منها رجل، فقال: يا فيميون، قال: نعم، قال: ما زلت أنظرك[3] وأقول متى هو جاء، حتى سمعت صوتك، فعرفت أنك هو، لا تبرح حتى تقوم علي، فانى ميت الآن، قال:
فمات وقام عليه حتى واراه، ثم انصرف، وتبعه صالح، حتى وطئا بعض أرض العرب، فعدوا عليهما. فاختطفتهما سيارة من بعض العرب، فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران، وأهل نجران يومئذ على دين العرب، يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم، لها عيد في كل سنة، إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه، وحلى النساء، ثم خرجوا إليها فعكفوا عليها يوما. فابتاع فيميون رجل من أشرافهم، وابتاع صالحا آخر. فكان فيميون إذا قام من الليل يتهجد في بيت له-أسكنه إياه سيده-يصلى، استسرج له البيت نورا حتى يصبح من غير مصباح، فرأى ذلك سيده، فأعجبه ما يرى منه، فسأله عن دينه، فأخبره به، وقال له فيميون: إنما أنتم في باطل، إن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع، ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها، وهو الله وحده لا شريك له. قال: فقال له سيده:
فافعل، فإنك إن فعلت دخلنا في دينك، وتركنا ما نحن عليه. قال: فقام فيميون، فتطهر وصلى ركعتين، ثم دعا الله عليها، فأرسل الله عليها ريحا فجعفتها[4] من أصلها فألقتها، فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه، فحملهم على الشريعة من دين عيسى بن مريم عليه السلام، ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل [ (1) ]كذا في الطبري. وفي جميع الأصول: «من» .
[ (2) ]انتشط الثوب: كشفه بسرعة.
[ (3) ]في الطبري: أنتظرك. والنظر والانتظار بمعنى.
[ (4) ]جعفتها: قلعتها وأسقطتها.
3-سيرة ابن هشام-1
صفحة ٣٣