(1) أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى بن مريم يقال له فيميون، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا، مجاب الدعوة، وكان سائحا ينزل بين القرى، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف بها، وكان لا يأكل إلا من كسب يديه، وكان بناء يعمل الطين وكان يعظم الأحد، فإذا كان يوم الأحد لم يعمل فيه شيئا، وخرج إلى فلاة من الأرض يصلى بها حتى يمسى. قال: وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا، ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له صالح، فأحبه صالح حبا لم يحبه شيئا كان قبله، فكان يتبعه حيث ذهب، ولا يفطن له فيميون: حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض، كما كان يصنع، وقد اتبعه صالح وفيميون لا يدرى، فجلس صالح منه منظر العين مستخفيا منه، لا يحب أن يعلم بمكانه. وقام فيميون يصلى، فبينما هو يصلى إذ أقبل نحوه التنين-الحية ذات الرءوس السبعة[1]-فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت، ورآها صالح ولم يدر ما أصابها، فخافها عليه، فعيل عوله[2]، فصرخ: يا فيميون، التنين قد أقبل نحوك، فلم يلتفت إليه، وأقبل على صلاته حتى فرغ منها، وأمسى فانصرف. وعرف أنه قد عرف، وعرف صالح أنه قد رأى مكانه، فقال (له: يا) [3] فيميون، تعلم والله أنى ما أحببت شيئا قط حبك، وقد أردت صحبتك، والكينونة معك حيث كنت، فقال: ما شئت، أمرى كما ترى، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح. وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه، وكان إذا فاجأه[4] العبد به الضر دعا له فشفى، وإذا دعي إلى أحد به ضر لم يأته، وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير، فسأل عن شأن فيميون فقيل له: إنه لا يأتى أحدا دعاه، ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجر.
فعمد الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوبا، ثم جاءه فقال له:
[ (1) ]يعنى بالرءوس هنا: القرون. (عن شرح السيرة) .
[ (2) ]عيل عوله: أي غلب على صبره، يقال: عاله الأمر، إذا غلبه.
[ (3) ]زيادة عن أ.
[ (4) ]كذا في م، ر، ط، والطبري. وفي أ، ومعجم البلدان لياقوت (ج 4 ص 752 طبع أوروبا) «فاء جاءه» .
صفحة ٣٢