(1)
بل بنى النجار إن لنا # فيهم قتلى وإن تره[1]
فتلقتهم مسايفة # مدها كالغبية النثره[2]
فيهم عمرو بن طلة ملى # الإله[3] قومه عمره
سيد سامى[4] الملوك ومن # رام عمرا لا يكن قدره
وهذا الحى من الأنصار يزعمون أنه إنما كان حنق تبع على هذا الحى من يهود الذين كانوا بين أظهرهم، وإنما أراد هلاكهم فمنعوهم منه، حتى انصرف عنهم، ولذلك قال في شعره:
حنقا على سبطين حلا يثربا # أولى لهم بعقاب يوم مفسد
قال ابن هشام: الشعر الذي في هذا البيت مصنوع، فذلك الذي منعنا من إثباته.
(اعتناق تبان النصرانية، وكسوته البيت وتعظيمه وشعر سبيعة في ذلك) :
قال ابن إسحاق: وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها، فتوجه إلى مكة، وهي طريقه إلى اليمن، حتى إذا كان بين عسفان، وأمج[5]، أتاه نفر من [ (1) ]الترة: طلب الثأر. أراد: إن لنا قتلى وترة، فأظهر المضمر، وهذا البيت شاهد على حروف العطف يضمر بعدها العامل المتقدم، نحو قولك: إن زيدا وعمرا في الدار. فالتقدير: إن زيدا، وإن عمرا في الدار، فقد دلت الواو على ما أردت، وإن احتجت إلى الإظهار أظهرت، كما في هذا البيت، إلا أن تكون الواو الجامعة، نحو اختصم زيد وعمرو، فليس ثم إضمار، لقيام الواو مقام صفة التثنية.
وعلى هذا تقول: طلع الشمس والقمر، فتغلب المذكر، كأنك قلت: طلع هذان النيران، فإن جعلت الواو هي التي تضمر بعدها الفعل. قلت طلعت الشمس والقمر، وتقول في نفى المسألة الأولى: ما طلع الشمس والقمر، وفي نفى المسألة الثانية: ما طلعت الشمس ولا القمر، تعيد حرف النفي لينتفى به الفعل المضمر (عن الروض الأنف) .
[ (2) ]الغبية: الدفعة من المطر. والنثرة: المنتثرة، وهي التي لا تمسك ماء.
[ (3) ]ملي الإله قومه: أمتعهم به.
[ (4) ]سامى: ساوى. ويروى: «سام» ، أي كلفهم أن يكونوا مثله، فلم يقدروا على ذلك.
[ (5) ]عسفان (بضم أوله وسكون ثانية ثم فاء وآخره نون) : فعلان من عسفت المفازة، وهو يعسفها، وهو قطعها بلا هداية ولا قصد، وكذلك كل أمر يركب بغير روية. قيل: سميت عسفان لتعسف الليل فيها، كما سميت الأبواء لتبوئ السيل بها. قال أبو منصور: عسفان: منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة. وقال غيره: عسفان: بين المسجدين، وهي من مكة على مرحلتين، وقيل: عسفان: قرية جامعة.
صفحة ٢٣