(1) قال: فلما قال له ذلك، وعرف أنهما قد اتفقا وأن قولهما واحد إلا أن سطيحا قال: «وقعت بأرض تهمه، فأكلت منها كل ذات جمجمة» . وقال شق:
«وقعت بين روضة وأكمه، فأكلت منها كل ذات نسمه» .
فقال له الملك: ما أخطأت يا شق منها شيئا، فما عندك في تأويلها؟قال:
أحلف بما بين الحرتين من إنسان، لينزلن أرضكم السودان، فليغلبن على كل طفلة[1] البنان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران.
فقال له الملك: وأبيك يا شق، إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟ أفي زماني، أم بعده؟قال: لا، بل بعده بزمان، ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شأن، ويذيقهم أشد الهوان، قال: ومن هذا العظيم الشان؟قال: غلام ليس بدنى، ولا مدن[2]، يخرج عليهم من بيت ذي يزن، (فلا يترك أحدا منهم باليمن) [3]، قال: أفيدوم سلطانه، أم ينقطع؟قال: بل ينقطع برسول مرسل يأتى بالحق والعدل، بين أهل الدين والفضل، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل، قال: وما يوم الفصل؟قال: يوم تجزى فيه الولاة، ويدعى فيه من السماء بدعوات، يسمع منها الأحياء والأموات، ويجمع فيه بين الناس للميقات، يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات، قال: أحق ما تقول؟قال: إي ورب السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض، إن ما أنبأتك به لحق ما فيه أمض.
قال ابن هشام: أمض: يعنى شكا، هذا بلغة حمير، وقال أبو عمرو: أمض أي باطل.
(هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق) :
فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا. فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ، فأسكنهم الحيرة.
[ (1) ]الطفلة: الناعمة الرخصة.
[ (2) ]المدني: «بصيغة اسم الفاعل» المقصر في الأمور أو الذي يتبع خسيسها. وفي ابن الأثير:
«مزن» من أزننته بكذا: أي اتهمته به.
[ (3) ]زيادة عن أ.
صفحة ١٨