(1)
أمر عمرو بن عامر في خروجه من اليمن وقصة سد مارب
وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن-فيما حدثني أبو زيد الأنصاري- أنه رأى جرذا[1] يحفر في سد مارب، الذي كان يحبس عليهم الماء، فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم، فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك، فاعتزم على النقلة من اليمن، فكاد قومه، فأمر أصغر ولده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه، ففعل ابنه ما أمره به، فقال عمرو: لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدى، وعرض أمواله. فقال أشراف من أشراف اليمن: اغتنموا غضبة عمرو، فاشتروا منه أمواله. وانتقل في ولده وولد ولده. وقالت الأزد: لا نتخلف عن عمرو بن عامر، فباعوا أموالهم، وخرجوا معه، فساروا حتى نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان، فحاربتهم عك، فكانت حربهم سجالا[2]. ففي ذلك قال عباس بن مرداس البيت الذي كتبنا[3]. ثم ارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلدان، فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام، ونزلت الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة مرا[4]، ونزلت أزد السراة السراة[5]، ونزلت أزد عمان عمان، ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه، ففيه أنزل الله تبارك وتعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: لقد كان لسبإ في مسكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور، `فأعرضوا، فأرسلنا عليهم سيل العرم .
[ (1) ]الجرذ: الذكر من الفئران.
[ (2) ]السجال: أن يغلب هؤلاء مرة وهؤلاء مرة. وأصله من المساجلة في الاستقاء، وهو أن يخرج المستقى من الماء مثل ما يخرج صاحبه.
[ (3) ]راجع هذا البيت والتعليق عليه (في أول ص 9 من هذا الجزء) .
[ (4) ]مر: هو الذي يقال له مر الظهران، ومر ظهران ، وهو موضع على مرحلة من مكة.
[ (5) ]قال الأصمعي: الطود: جبل مشرف على عرفة ينقاد إلى صنعاء يقال له السراة، وإنما سمى بذلك لعلوه، يقال له سراة ثقيف، ثم سراة فهم وعدوان، ثم سراة الأزد. (راجع معجم البلدان) .
صفحة ١٣