(1) ولم يدون في تاريخ العرب أو السيرة شيء، إلى أن مضت أيام الخلفاء، بل لم يدون في هذه المدة غير القرآن ومبادئ النحو. فقد رأينا المسلمين يحفزهم حرصهم على حفظ القرآن إلى كتابته في حياة النبي وبعده، كما حفزتهم مخافتهم من تفشي العجمة على الألسنة إلى تدوين النحو، وذلك لما اختلط العرب بغيرهم عند اتساع الرقعة الإسلامية.
(بدء التأليف في السيرة) :
ولما كانت أيام معاوية، أحب أن يدون في التاريخ كتاب، فاستقدم عبيد ابن شرية الجرهمي من صنعاء، فكتب له كتاب الملوك وأخبار الماضين. بعد هذا رأينا أكثر من واحد من العلماء يتجهون إلى علم التاريخ من ناحيته الخاصة لا العامة، وهي سيرة الرسول. ولعلهم وجدوا في تدوين ما يتعلق به عليه الصلاة والسلام شيئا يحقق ما في أنفسهم من تعلق به، وحب لتخليد آثاره، بعد أن منعوا من تدوين أحاديثه إلى أيام عمر بن عبد العزيز، مخافة أن يختلط الحديث بالقرآن، فجاء أكثر من رجل كلهم محدث، فدونوا في السيرة كتبا، نذكر منهم: عروة بن الزبير بن العوام الفقيه المحدث، الذي مكنه نسبه من قبل أبيه الزبير وأمه أسماء بنت أبى بكر أن يروى الكثير من الأخبار والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحياة صدر الإسلام.
وحسبك أن تعلم أن ابن إسحاق، والواقدي والطبري، أكثروا من الأخذ عنه، ولا سيما فيما يتعلق بالهجرة إلى الحبشة، والمدينة، وغزوة بدر. وكانت وفاة عروة -فيما يظن-سنة 92 ه.
ثم أبان بن عثمان بن عفان المدني المتوفى سنة 105 ه. فألف في السيرة صحفا جمع فيها أحاديث حياة الرسول.
ثم وهب بن منبه اليمنى المتوفى سنة 110 ه. وفي مدينة هيدلبرج بألمانيا قطعة من كتابه الذي ألفه في المغازي.
وغير هؤلاء كثير، منهم من قضى نحبه قرب تمام الربع الأول من القرن الثاني،
صفحة ٥