الصناعتين
محقق
علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم
الناشر
المكتبة العنصرية
مكان النشر
بيروت
وإنما كان عرّض بعبد الملك وكان ولد لسبعة أشهر.
وربما كانت البلاغة سببا للحرمان. وأسباب الأمور طريفة والاتفاقات عجيبة:
أخبرنا أبو أحمد عن أبيه عن عسل بن ذكوان، قال: كتب بعضهم إلى المنصور كتابا حسنا بليغا يستمنحه فيه. فكتب إليه المنصور: البلاغة والغنى إذا اجتمعا لامرىء أبطراه؛ وأمير المؤمنين مشفق عليك من البطر، فاكتف بأحدهما.
وقوله «١»: «ربما كانت البلاغة فى الاستماع»، فإنّ المخاطب إذا لم يحسن الاستماع لم يقف على المعنى المؤدّى إليه الخطاب. والاستماع الحسن عون للبليغ على إفهام المعنى.
وقال إبراهيم الإمام: حسبك من حظّ البلاغة ألّا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق، ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع. وقال الهندى أيضا: البلاغة وضوح الدّلالة، وانتهاز الفرصة، وحسن الإشارة. وقول عبيد الله بن عتبة: البلاغة دنوّ المأخذ، وقرع الحجة، وقليل من كثير.
فأما البصر بالحجّة فمثل ما أخبرنا به أبو أحمد عن أبيه عن عسل قال: قال الهيثم بن عدى: أنبأنى عطاء بن مصعب، قال: كان أبو الأسود شيعة لعلىّ بن أبى طالب رضى الله عنه، وكان جيرانه عثمانية فرموه يوما؛ فقال: أترموننى؟ قالوا:
بل الله يرميك. قال: كذبتم، إنكم تخطئون، وإنّ الله لو رمانى لما أخطأ. وقال بعضهم لأبى على محمد بن عبد الوهاب: ما الدليل على أنّ القرآن مخلوق؟ قال: إن الله قادر على مثله. فما أحار السائل جوابا.
ومثل ذلك ما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه- وهو يومئذ خليفة وكان على المنبر يخطب فى يوم جمعة، فدخل عثمان بن عفّان رضى الله عنه عليه. فقال عمر:
ما بال أقوام يسمعون الأذان ويتأخّرون؟ فقال عثمان: والله ما تأخّرت إلّا ريثما توضّأت.
فقال عمر: وهذا أيضا، أما سمعت أن رسول الله ﷺ قال «من أتى الجمعة فليغتسل» .
1 / 16