فالتصوير الإيراني مثلا هو إحدى مدارس التصوير الآسيوية الكبيرة، وهو مثلها كلها، يجهل استخدام الظل والضوء ولا يرمي كالتصوير الأوروبي إلى رسم الأشياء كما تبدو للعين تماما، وإذا نظرنا إلى مدارس التصوير الكبرى في القرنين الخامس عشر والسادس عشر بعد الميلاد، وجدنا التصوير الأوروبي عامة يعنى بجسم الإنسان كرمز شهواته وأحزانه وانتصاراته ومشاعره، ولا يكاد يعنى بسطح الأرض الجميل من أرض وزهور وأشجار وجبال، أما مدرسة الشرق الأقصى فعنيت بعناصر الطبيعة وبالمناظر الطبيعية، وجعلت للإنسان مكانه بينها.
بينما اتجهت المدرسة الإسلامية الإيرانية إلى الإنسان وأعماله - ولا سيما أعمال البطولة - ولكنها لم تعن بجسمه العاري أو بنسب أعضائه.
10
وكان للمناظر الطبيعية قسط من عناية الإيرانيين، ولكنها لم تكن عندهم أصلا مقصودا لذاته أو فرعا مستقلا من فروع التصوير، وإنما كانت «أرضية» لمناظر الحياة الآدمية، في معظم الأحيان.
11
وصفوة القول أن روح الفنون الصينية كانت أقرب بكثير إلى روح الفن الإسلامي من الفنون الغربية؛ ومن ثم كان تأثر المسلمين بأهل الصين من عوامل النهضة والتطور الطبيعي في الفن الإسلامي؛ بينما كان تأثرهم بالغربيين طريقا إلى تخليهم عن ذاتيتهم وقعودهم عن الوصول إلى أهل الغرب في ميدانهم، وبقائهم بين بين، لا هم أبقوا على بدائع أساليبهم الفنية ولا هم أصابوا التوفيق في إتقان الأساليب الفنية الغربية.
ولنذكر في هذه المناسبة أن الفنون الإسلامية حين تأثرت بالفن الصيني كان هذا الفن الأخير قد بدأ في أن ينقل عنايته بعض الشيء من عالم الطبيعة والحيوان إلى عالم الإنسان؛ إذ كان لنمو البوذية في القرن الخامس الميلادي أثر كبير - من هذه الناحية - على الفن الصيني؛ وذلك لأن هذا الدين الجديد جاء إلى الصين من آسيا الوسطى بخليط من الفن الإغريقي المتأخر والفن الهندي. وقد نشأ هذا الخليط كما نعرف في إقليم بكتريا
Bactriane
وشمال غربي الهند، بعد أن امتدت فتوح الإسكندر إلى تلك الجهات. وبدأ الفنانون من أهل الصين يصنعون التماثيل لبوذا وأعوانه ويوضحون أهم الأحداث في حياتهم، ولكنهم هضموا الأصول الهندية الإغريقية التي وصلتهم.
وثمة جامع آخر بين الفنون في الشرقين الأدنى والأقصى. تلك هي العناية بالخط الجميل، فإن تحسين الخط كان في الصين وفي البلاد الإسلامية فنا وعلما، وقد قال بعض حكماء الصين في القرن الثاني عشر الميلادي: إن الكتابة والنقش فن واحد. وصفوة القول أن المسلمين والصينيين اشتركوا في العناية بتحسين الخط، فبلغ عندهم مرتبة أولى بين الفنون الجميلة، وكان النموذج من كتابة خطاط ماهر يقدر ويعجب به ويقتنى كبدائع اللوحات الفنية عند الغربيين؛ وكان الخط في الإسلام وفي الصين غرضا ووسيلة؛ بينما كان عند الأوروبيين وسيلة فحسب. وإن كان بعض الناس في الغرب يجمعون نماذج من خطوط عظماء الرجال، فإن ذلك من أجل هؤلاء العظماء فحسب، أما في الشرقين الأقصى والأدنى فإن مثل هذه النماذج كانت تجمع لذاتها، وهي التي كانت ترفع شأن كاتبها، ويتبع ذلك بطبيعة الحال أن عدد الخطاطين المعروفين في تاريخ الفنون الشرقية كبير،
صفحة غير معروفة