سرت معه إلى خبان مدحج لزيارة الإخوان ثمة، فانتهينا إلى فوق هجرة الأخشبي ببني قيس تحت عرقة شاهقة فاستقام مبهوتا، فبهت حذرا عليه من التردي في ذلك الشاهق، فوثبت عليه أنا وأخ لنا (أسكناه) (1) فقال: تقولون مم خلق الله هذه الجبال والصخرات الصم ؟ ثم ارتعش مليا وغشي عليه، ثم أفاق وقال: سبحان من خلق (هذه) (2) الجبال من عدم وعلى غير مثال، ثم قال: {قتل الإنسان ما أكفره، من أي شيء خلقه}[عبس:18، 19]. ثم قال: الذي خلقها سوداء وغبراء يجعلها جوهرا شفافا، كما روي: أن حصباء الجنة من در وياقوت(3)، فسبحان من أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، (ولم)(4) يعجل على من عصى، وستر على من غفل وجهل بالمولى. ثم قال: رضي الله عنه وأرضاه: ذكر الرازي في (مفاتيح الغيب) أن غلظ الأرض خمسمائة عام، وبينها وبين الأرض الثانية خمسمائة عام، والثالثة كذا، والربعة كذا، والخامسة كذا، والسادسة كذا، والسابعة كذا، والسماوات كذا بين الأرض والسماء خمسمائة عام، وغلظها خمسمائة عام، وكذا الثانية، والثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، ثم قال: والحوت الذي أقسم الله به: {ن والقلم وما يسطرون}[القلم:1، 2]، لو أدرجت السماوات السبع والأرضون السبع في أحد منخريه ما تبرم بهن، فنطر إلينا قد بهتنا من جهلنا وغفلتنا، فقال: الذي خلق هذه الجبال من عدم قادر أن يجعل منها روحا، ثم قال: إن هذا الجبل من عدن إلى مكة يسمى في العراق (جزيرة اليمن)، لأن البحر من جميع جوانب هذه الجزيرة من عدن إلى مكة إلى الشحر إلى تهامة. ويحكى أن بحر عدن وبحر هرموز كالكمين للقميص[وبحر الهند كالقميص] (1) والله أعلم، ثم قال: قيل: إن الأرضين السبع (تحت) (2) سماء الدنيا كحبة خردل، ثم السماء الدنيا (تحت) (3) الثانية كريشة في فلاة، والأرضون السبع والسماوات السبع (بجنب) (4) العرش العظيم كخاتم في أرض فلاة، قال:وذكر (في) (5) (الثعلبي) في قوله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} [الحاقة:17].
قال: على صورة الوعول ما بين ظلفه إلى ركبته خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام، فما قمنا من ذلك المقام إلا وقد (انقطعت) (6) أوصاله من تململ أعضائه، وما سرنا إلا ورجلان منا يمسكان بيده. وقال يوما: في معنى قوله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}[الذاريات:21]، يابن آدم، سافرت المشارق والمغارب لتعرفنا، فلو سافرت في نفسك لوجدتنا في أول قدم، درت البلاد تطلبنا ونحن إليك أقرب من حبل الوريد. ونحن معكم أينما كنتم، وأنشد بعض أهل الكمال:
وأسأل عنهم من أرى وهم معي
(ويشتاق) (7) قلبي وهم بين أضلعي ... ومن عجب أني أحن إليهم
صفحة ١٢٦