أما شريكاتها اللواتي كن يعايشنها في بيت النبي، فربما كانت تغار من إحداهن لطعام يستطيبه النبي عندها فضلا عن الغيرة من الجمال أو الملاحة.
تعود - عليه السلام - أن يستطيب العسل الذي تهيئه له «زينب بنت جحش» من أجمل أمهات المؤمنين وأحظاهن عنده، فأجمعت رأيها مع صديقتها «حفصة بنت عمر» أن يبغضاه في عسلها، وقالت فيما روته عن نفسها: «... فتواطأت أنا وحفصة أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير؟ وهي طعام من صمغ حلو ولكنه كريه الرائحة، ولم يكن أبغض إلى النبي - عليه السلام - من رائحة كريهة ... فلما دخل عندها رسول الله قالت: إني أجد منك ريح مغافير، قال: لا، ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود إليه!»
وقد عرفت زميلتها السيدة صفية بجودة الطهي، وهي في الأصل إسرائيلية من أهل خيبر؛ فنفست عليها السيدة عائشة هذه الإجادة ولم تكتم منها، بل هي التي روتها، ومن حديثها عنها عرفناها. قالت: «ما رأيت صانعة طعام مثل صفية، صنعت لرسول الله طعاما وهو في بيتي فأخذني أفكل - أي قشعريرة - فارتعدت من شدة الغيرة فكسرت الإناء ثم ندمت، فقلت: يا رسول الله ما كفارة ما صنعت؟ قال: إناء مثل إناء وطعام مثل طعام.»
وهذه غيرتها من زميلات لم يجهرن بالمنافسة والمغايظة، وهي بالبداهة دون غيرتها من الزميلات اللواتي كن ينافسنها جهرة ويكاشفن النبي - عليه السلام - بالشكوى عن تفضيلها عليهن في المودة والحظوة، وعلى رأسهن أم سلمة التي شهدت على نفسها والنبي يخطبها أنها غيور لا تطيق المنافسة، فكان - عليه السلام - يجاملها ليذهب غيرتها، وتغضب عائشة من هذه المجاملة على علمها بمكانتها عنده، قالت: دخل علي يوما رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فقلت: أين كنت منذ اليوم؟
قال: يا حميراء كنت عند أم سلمة.
قلت: ما تشبع من أم سلمة؟
فتبسم. ثم قلت: يا رسول الله، ألا تخبرني عنك لو أنك نزلت بعدوتين إحداهما لم ترع والأخرى قد رعيت، أيهما كنت ترعى؟
قال: التي لم ترع!
صفحة غير معروفة