يذهب المؤرخون الذين يروون الحوادث على هذا النحو إلى أن خالدا كان بالحيرة ولم يكن قد فتح الأنبار ولا عين التمر حين جاءه كتاب أبي بكر، فلما تجهز للخروج إلى الشام سار إليهما ففتحهما وانحدر منهما إلى قراقر، ومن هناك اجتاز المفازة ودليله رافع بن عميرة الطائي حتى بلغ سوى من أرض الشام.
وفي هذه الأثناء كان أبو بكر قد كتب إلى أبي عبيدة يقول له: «أما بعد فإني قد وليت خالد بن الوليد قتال الروم في الشام فلا تخالفه، واسمع له وأطع أمره: فإني وليته عليك وأنا أعلم أنك خير منه، ولكن ظننت أن له فطنة في الحرب ليست لك، أراد الله بنا وبك سبيل الرشاد.» وكتب خالد إلى أبي عبيدة يقول له: «أما بعد، فإني أسأل الله لنا ولك الأمن يوم الخوف، والعصمة في دار الدنيا، فقد أتاني كتاب خليفة رسول الله يأمرني بالمسير إلى الشام وبالمقام على جندها والتولي لأمرها، والله ما طلبت ذلك ولا أردته ولا كتبت إليه فيه، وأنت - رحمك الله - على حالك التي كنت بها لا يعصى أمرك، ولا يخالف رأيك، ولا يقطع أمر دونك؛ فإنك سيد من سادات المسلمين، لا ينكر فضلك، ولا يستغنى عن رأيك، تمم الله ما بنا وبك من نعمة الإحسان، ورحمنا وإياك من عذاب النار والسلام عليك ورحمة الله.»
وسار خالد من سوى إلى اللوى ثم إلى قصم حيث صالح بني مشجعة، ومن هناك انحدر إلى الغوير وذات الصنمين حتى بلغ غوطة دمشق بعد أن بث الفزع والرعب حيث سار، وبعد أن دانت له تدمر وصالحه
8
أهلها.
ومن الغوطة سار خالد إلى ثنية العقاب يريد دمشق، وإنما سميت هذه الثنية «ثنية العقاب» بعد غارة خالد؛ لأنه نشر بها العقاب راية رسول الله، وعلى ميل من الباب الشرقي لدمشق نزل ديرا عرف بعده باسم دير خالد، ويروى أن أبا عبيدة أدركه هناك، وأن أول حصار لدمشق بدأ يومئذ.
والراجح في الروايات جميعا أن خالدا لم يقم أمام دمشق، بل تخطاها إلى قناة بصرى حيث اجتمعت قوات المسلمين، وأيما الروايتين صحت فقد نمى إلى المسلمين أن هرقل جمع جيشا عظيما بأجنادين ليهاجمهم، فساروا لقتاله من بصرى، أو إنهم فكوا حصار دمشق وساروا لقتاله منها
9
والتقى الروم والمسلمون بأجنادين قبل أربعة وعشرين يوما من وفاة الصديق.
وبأجنادين اجتمع المسلمون جميعا إجابة لكتاب وجهه خالد إلى أمراء الجند: يزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، وعبأ خالد هذه الجنود فجعل أبا عبيدة على المشاة، ومعاذ بن جبل على الميمنة، وسعيد بن عامر بن حزيم الجمحي على الميسرة، وسعيد بن زيد بن عمرو على الفرسان، وطفق هو يحرض الناس متنقلا بين الصفوف لا يستقر في مكان.
صفحة غير معروفة