غضبان جميعه بعض من إنسان، وقال لسانه وهو يتعثر في فمه: بل هو يومكم أنتم. - يومنا نحن بقيادتك. - أنا لم أحارب في حياتي. - ماذا؟
انطلقت صرخة ذاهلة من الجميع، واستغلق الأمر لحظات على شيخ القبيلة، ولكنه سرعان ما تماسك ونظر إلى غضبان ثم قال في تؤدة ووقار: احبسوا هذا الرجل حتى تنتهي الحرب ثم نرى فيه رأينا.
وخف إلى غضبان بضعة فتيان كنت منهم، وكان معي صديقي سليمان ولم يلتفت غضبان إلى أحد منا وإنما نظر إلى سليمان وقال في تؤدة: أما أنت يا سليمان فلا، أنت لا أجيز لك أن تقيدني.
وبهت سليمان لحظات ولم يدر ما يقصده غضبان إلا أنه ترك الحبل من يده وتولينا نحن قيد غضبان، وألقينا به في خيمته، وقد لاحظت عليه شيئا غريبا، لم يعد ذلك الشخص الذي كانه منذ لحظات، لقد بارحه الخوف وعادت إليه الطمأنينة التي عهدناها فيه، ولو لم نكن مشغولين بالجيش الوافد ولو وجد منا آذانا صاغية لراح وهو في قيده يقص علينا بطولاته في الحروب التي خاضها. •••
راح شيخ القبيلة يستعد للحرب؛ فالقبيلة جميعها تهيئ السيوف وتعد الخيل، وشيخ القبيلة يحدد لكل منهم موقعه وما عليه أن يفعله.
وجاءت الجيوش آخر الأمر، وبادرنا نلتقي بها قبل أن تصل إلى الخيام وكانت مفاجأة لم تخطر لنا على بال، لم تكن جيشا؛ لقد كانوا جماعة من قبيلة عاصم لم يتبين نعمان حقيقتهم؛ فقد هيأ له الخوف أنهم جيش غطفان، وما لبث شيخ قبيلتنا أن رحب بشيخ قبيلة عاصم ودعاه هو ومن معه إلى الخيام لينال الراحة والضيافة.
لقد جاء شيخ عاصم ليعقد صلحا بيننا وبين قبيلة غطفان وذكر ما طلبوه من دية وكانت مائتي بعير، ولم ينتظر شيخ عاصم حتى نبحث الأمر بل سارع يقول: وإني أقدم من عندي خمسين بعيرا هدية مني إليكم حتى يعود السلام إلى الربوع.
وقبلنا الصلح؛ فما أعظم أن ننتصر وندفع ثمن نصرنا هذا العدد من الجمال. ••• - فأنت إذن يا غضبان كنت تسرقنا. - أنا يا شيخ القبيلة؟ - ألست أنت من أخذ الخمسين ناقة وأقمت ...
وقاطعه غضبان: لا تذكر المأكل والمشرب يا شيخ القبيلة فإنك أكرم من أن تذكر مثل هذا.
وصاح سليمان: ليكن، فماذا أنت قائل عن الخمسين ناقة.
صفحة غير معروفة