الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

عباس محمود العقاد ت. 1383 هجري
90

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

تصانيف

أما مذهب «داروين» فإن عنوان الكتاب الذي تضمنه وهو «أصل الأنواع»

9

خليق أن يصحح الخطأ في هذا الموضوع؛ لأن تنافس الأفراد أو تنازع البقاء إنما هو لمصلحة الأنواع، كما يفهم من عنوان الكتاب، وقد فطن زعيم الفوضوية «كروبتكين» إلى هذا المعنى فقال: «إن حرية الأفراد هي السبيل إلى تقدم الأنواع وبقاء الصالح منها للبقاء.»

على أنه لا مذهب «آدم سميث» ولا مذهب «داروين» كان أساسا للإيمان باستقلال الشخصية الإنسانية، فيجوز - من ثم - أن يقوم استقلال الشخصية عليهما، أو يزول بزوالهما، أو يعرض له الشك حين يعرض لهما.

إن استقلال الشخصية الإنسانية كان ثمرة النجاح لكل ثورة سياسية أو دينية قام بها الناس منذ عرفوا الثورة على الظلم، أو عرفوا الثورة لتحطيم قيد من القيود. وقد اشتركت الطبقات العليا والطبقات الدنيا في هذه الثورات، ولم تكن مقصورة على نظام واحد من نظم الإنتاج أو الثروة الاقتصادية، وكان نصيب الفرد من أبناء الطبقات المحرومة في تلك الثورات أعظم من نصيب الفرد من أبناء الطبقات العليا، لأن هذه الطبقات العليا في غنى عن الثورة لتحقيق الحرية الشخصية.

وإذا كان محصل تاريخ النوع الإنساني يتلخص في اتساع العلاقات العالمية، فمحصل تاريخ الفرد أن يزداد استقلاله أو تزداد الدعوة إليه على الأقل، فلا يجسر أحد على إنكاره في صورة من الصور إلا ليعود إلى تقريره في صورة أخرى. وقد أصبح استقلال الفرد في زماننا حجة لكل نظام من نظم الحكم في مقام المفاضلة والتسابق إلى الإصلاح، بل أصبح مقياسا حقيقيا لكفاية المجتمع كله في الصراع بين المجتمعات، فانقسم العالم في الحربين العالميتين إلى معسكرين: أحدهما يضيق فيه نصيب الفرد من الحرية والآخر يتسع فيه هذا النصيب، وكان المعسكر الأول أقدم استعدادا للحرب، وأوفر عدة لها عند ابتداء القتال، ولكنه انهزم ولم يصمد للفريق الآخر الذي بدأ استعداده خلال أيام القتال.

ومن علامات الزمن أن الفرد يثبت وجوده أمام طغيان الجماعات كما يثبته أمام طغيان الآحاد.

فالوجودية على تعدد مناهجها دعوة ذات دلالة، ولا دلالة لها إلا أن الفرد يثور على طغيان العدد، ولا يرضيه أن يغرق سماته بين طوفان من العدد المتكرر ليس له سمات.

وليقل من شاء ما شاء عن دور الفرد العظيم في قيادة الحركات الاجتماعية.

ليقل: إنه يخلق حين تخلقه الجماعة لقيادة حركة من حركاتها العامة، فإن الثابت أمامنا أن الحركة الاجتماعية تحتاج إلى قيادة فرد عظيم، وأما ما عدا ذلك من الألغاز والتخمينات، فهو معلق «بلو كان ولو لم يكن» مما يجوز فيه قولان، أو تجوز فيه عدة أقوال.

صفحة غير معروفة