الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

عباس محمود العقاد ت. 1383 هجري
82

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

تصانيف

3

أن يكتب لهم رسالة خاصة عن الماركسية والفردية، فكاد يترنح وهو يردد كلام رفيقه «باربوس» الذي كتب من قبله يقول: «إنه ما من شيء أدهشه كدهشته من تلك الفردية المتدفقة في بلاد الروس، إذ نشهد فوعة الشخصية متوفزة على ريعان الشباب.»

وبعد عشر سنوات على هذه الأنشودة - البريئة - يموت «ستالين»، فيتنفسون في بلاده الصعداء، ونسمع من أعظم الشخصيات حوله أنهم عاشوا بين يديه في سجن من الكبت والرهبة، لم يصدقوا أنهم نجوا منه بعد موته واستوائهم على عرشه زهاء ثلاث سنوات. •••

قيل: إن الحرية يخدمها ما يعمل لها ويعمل لمحاربتها على السواء، وهي كلمة تصدق أبلغ من هذا الصدق إذا قيلت عن الحرية الفردية أو عن الشخصية الإنسانية، فإن الشيوعية تستهين بها في تفسير أطوار التاريخ، وتتجاهلها في دراسة الحركات الاجتماعية، ولكن لو زالت تواريخ الحركات الاجتماعية وبقيت لنا منها حركة الشيوعية؛ لكان فيها الكفاية «لفرز» مجهود الفرد في الأعمال العامة، وإبراز ما ينسب إليه في أطوار التاريخ مقدما على نسبته إلى الأمة أو البيئة أو الطبقة.

إن «ماركس» و«إنجلز» زعيمي المذهب الشيوعي ولدا في ألمانيا، وتمرسا بالحياة الاجتماعية والسياسية في فرنسا، وكونا مذهبهما في إنجلترا، ووضعت هذه المبادئ بعد موتهما موضع التنفيذ في روسيا. وليست أمامنا صفقة واحدة محققة بين هذه الأمكنة المختلفة غير صفة «ماركس الفرد» و«إنجلز الفرد» متحيزة في هذه الأشتات من الأحوال الألمانية والفرنسية والإنجليزية والروسية.

وأبرز من ذلك للصفة الفردية أن «ماركس» و«إنجلز» - كليهما - من الطبقة البرجوازية، وليس في وسعهما أن يزعما أنهما كانا يمثلان أخلاق الطبقة البرجوازية، حين تصديا لإنصاف الطبقة الأجيرة، وإلا لكان في هذا الزعم قضاء على مبادئ المذهب وقضاياه في الأخلاق والاجتماع والفلسفة والاقتصاد، فلا بد من صفة خاصة «للفرد ماركس» و«الفرد إنجلز» مستقلة عن صفات سائر الأفراد في طبقة الماليين أو طبقة الأجراء.

ولقد كان دور التنفيذ أبرز لهذه الحقيقة من دور الدعوة، فإن البارز أمامنا في تنفيذ الفلسفة الماركسية بعد الحرب العالمية الأولى هو شرذمة من الأفراد، سلطت إرادتها على بلاد لم تتهيأ للماركسية بأطوار الصناعة ولا بأطوار الاجتماع، وقد ادعى هؤلاء الأفراد لأنفسهم من الحقوق والسلطات ما لم يجرؤ على ادعائه أشد الناس غلوا في الإيمان «بالفردية» المطلقة، ثم تركزت هذه «الفرديات» في «فردية» واحدة، يستلط بها زعيم واحد بوسائله «الفردية»، التي مكنته من تسخير أعوانه وأتباعه مدى حياته، وهذا هو الواقع المجسم أمام الأعين والعقول.

أما تلك التخريجات الملتبسة التي تغوص بنا في سراديب الإرادة الخفية والإرادة العلنية، فهي أشبه بألغاز ما وراء «الطبيعة» التي يهيم فيها أصحاب المذاهب الجبرية والقدرية، حين يخوضون بغير علم في إقامة الفواصل بين إرادة الخالق وإرادة المخلوق، أو فيما سبق به القدر ولحق به القضاء.

وحسب الباحث دراسة الشيوعية بين جميع الحركات التاريخية، ليقول باللغة التي يستطيعها الإنسان: إن «الفرد» شيء من الأشياء التي لا تهمل في تطوير التاريخ، وإن إرادته وإرادة الجماعة من مصدر واحد في تكوين العوامل التي توضع في ميزان الحوادث والأقدار.

وإذا تصدى أحد لمناقشة هذا الرأي فإنه لا يقول لنا: إن الجماعات التي لا رأي لها فسرت التاريخ بما يبطل هذا الرأي أو يشككنا فيه، ولكنه يقول لنا: إن رأي ماركس عن أعمال تلك الجماعات يصورها لنا على غير هذه الصورة، ويستدل لها بغير هذا الدليل. •••

صفحة غير معروفة