وليت الملاحظات - ملاحظات ثلاثين سنة - في تاريخ الإنسانية قد كشفت عن شيء يؤيد مذهبهم بين الطبقات؛ لأن الصراع بين الملاك النبلاء والطبقة الوسطى لم يكن صراعا على استغلال إحداهما للأخرى، بل كان صراعا على دعوى السيادة، كما قال «إنجلز» وغايته في رأيه هي استغلال طبقة ثالثة من العمال.
إن تدجين النبات والحيوان قبل نشوء الطبقة كاف لتقدير أسباب للأطوار الاقتصادية والاجتماعية غير تنازع الطبقات، فإن لم يكن كافيا، فحسب الباحث الأمين أن يعلم أن الملاحظات المستمدة من التاريخ مشكوك فيها قبل سنة 1815، وأن الملاحظات المستمدة بعدها مأخوذة من تاريخ ثلاثين سنة؛ ليقف موقف المتهيب قبل الهجوم على الهدم وتحريم النظر في كل حيلة للإصلاح تنقذ الأمم من هذه العاقبة.
إلا أننا لا نريد أن نكتفي بهذا العرض لرأي القوم تفنيدا لدعواهم في هذا الأمر الجلل، ونريد أن نسترسل في تفصيلاتهم؛ لأن التفصيلات أدل على سخف هذه النظرية من ذلك العرض الوجيز.
فلنعلم إذن أن امتلاك وسائل الإنتاج هو أصل الطبقات المستغلة، ولكن يجب أن نعلم مع ذلك أن الملكية لذاتها ليست عاملا حاسما في تكوين الطبقة؛ لأن الأجير الفقير قد يقيم في كوخ يملكه، وصاحب المصنع الغني قد يقيم في قصر يستأجره، وما الملكية الحاسمة إلا ملكية الوسائل التي تنتج ضرورات المعيشة.
كذلك لا يتوقف الأمر على وحدة المصادر التي تأتي منها الثروة، فإن الطبيب والمحامي يعيشان من مصادر مختلفة وهما من طبقة واحدة. ولكن العلاقات الاقتصادية في تكوين الطبقات أهم من مصادر الكسب والمورد. وكل طبقة تتعلق مصالحها بالطبقة المسيطرة على وسائل الإنتاج فهي لاحقة بها منتمية إليها، وشعورها نحوها على وفق شعورها بالاعتماد على بقائها والدفاع عن مصالحها.
وعلى هذا التقدير يرى الماديون المفسرون للتاريخ أن الإنسانية مرت بسبعة أدوار منذ قيام الجماعات أو المجتمعات الاقتصادية فيها، الدور الأول هو دور «الشيوعية البدائية»، وهو دور كانت الملكية الخاصة فيه مجهولة، وكانت مرافق المجتمع مشاعة بين جميع أفراده، ولم تكن فيه بضائع للبيع والتبادل، وإنما كانت فيه حاجات للمعيشة في متناول من يريدها.
والدور الثاني هو دور «البربرية السفلى» وفيه ظهر الحديد وأصبحت له قيمة تجارية أو استغلالية، وهنا ظهرت وسائل الإنتاج ولم يظهر العمل المأجور بعد، إذ كانت وسائل الإنتاج في أيدي الأسرة تتقسم بينها العمل والجزاء.
والدور الثالث هو دور «البربرية العليا» وفيه ظهر الزيت والخمر مع الحديد والمعادن المصنوعة، وانقسم فيه المجتمع إلى أغنياء وفقراء يحتاجون إلى ما في أيدي الأغنياء، فيعملون في خدمتهم ويعيشون من عطائهم.
والدور الرابع هو دور «السادة والأرقاء» وفيه ظهر العبد المسترق إلى جانب الفقير المدقع، وكانت مجتمعات المدن اليونانية تجمع هذه الطبقات بتغليب عمل الرقيق تارة، وتغليب العمل المأجور تارة أخرى.
ثم كان الدور الخامس متمثلا على أتمه في نظام الدولة الرومانية، فقام العمل كله - أو أكثره - على كواهل الأرقاء، وأصبح العمل عيبا يترفع عنه الرجل الشريف صاحب الرئاسة والمكانة في المجتمع وفي الدولة.
صفحة غير معروفة