سلك الماركسيون في ترجمة زعيمهم بعد وفاته مسلكين متناقضين: عدلوا من أحدهما إلى الآخر بعد شيوع ذكره واستفاضة أخباره ونشر الكثير من الوثائق المطوية عن حياته وعلاقاته بأسرته وصحبه وزملائه، مما يحتاج إلى تفسير أو توفيق بينه وبين المنزلة الرفيعة - بل المقدسة - التي أرادوا أن يرفعوه إليها على إنكارهم لكل قداسة إنسانية أو إلهية.
سلكوا في بداءة الأمر مسلك التقديس والتطويب، ثم عدلوا عنه إلى الاعتراف بالنقائص والأخطاء مع الاحتراس والمراوغة، ولم يلبثوا أن توسعوا في الاعتراف بما لا بد منه مع تطاول الزمن وتداول الأخبار عن الخفايا والأسرار، وكان اعتذارهم الذي يدورون حوله كلما صدم الناس بخفية جديدة من خفاياه: إن شخص الرجل شيء ومذهبه شيء آخر، وإن أعمال الرجل الاجتماعية بمعزل عن حياته الفردية، تطبيقا لرأي «كارل ماركس» نفسه حيث يقول: إن «الشخصية الفردية» ناقلة لا أثر لها في المجتمع ما لم يكن لها تمهيد أو مساندة من الظروف الاجتماعية.
ولم يلبثوا مرة أخرى أن توسعوا في الاعتراف بالنقائص والأخطاء عن قصد يدارونه تارة ويعلنونه تارة أخرى، إذ كانوا يشعرون بالحاجة إلى التحلل من قيود المذهب كما وضعه «كارل ماركس»، كلما تعثروا في تطبيقه وتتابعت العقبات أمامهم في كل خطوة من خطوات التنفيذ والاختيار، ولا يزالون يترخصون في تطبيق المبادئ الماركسية، ويلتمسون لذلك المعاذير من مصاعب الابتداء واستحالة الطفرة وضرورة الأناة والاعتدال في أطوار الانتقال، وينسون أنهم على طول الزمن يبتعدون من النتيجة التي يريدونها، وتتسع الشقة بينهم وبينها في كل عام وفي كل مشروع من المشروعات التي يقيمونها على قواعد المذهب كما يقولون.
ولقد كان غاية ما ينتظر من أتباع الماركسية المؤمنين بقواعدها أن ينتقلوا من التقديس والعصمة إلى نفي التقديس والعصمة وكفى.
كان حسبهم أن يصبح «النبي المرسل» غير مقدس وغير معصوم لو وجدوا في ذلك مقنعا للعقول التي تفاجأ في كل يوم بعيب من عيوب «النبي المرسل»، لا يكفي لقبوله نفي القداسة والعصمة والنزول به درجة أو درجتين دون مرتبة الكمال.
كان حسبهم هذا لولا أن عيوب الرجل تنزل به دون ذلك كثيرا في كل تقدير، فليس قصاراه أنه كامل يأتيه النقص عرضا في بعض الحالات والفلتات، بل حقيقة أنه ناقص يتحول فيه النقص إلى قوة بحكم الظروف.
من مترجميه الذين واجهتهم هذه الضرورة «أوتو روهل» صاحب كتاب «كارل ماركس: حياته وعمله» الذي ترجمه إلى اللغة الإنجليزية «إيدن» و«سيدار بول».
1
فهذا الكاتب يدين بالمذهب الماركسي ويؤمن بالتفسير الاقتصادي للتاريخ، ولكنه لا يرى مناصا من تفسير نقائص أستاذه باختلال جسده، فيقول بنص عبارته كما ننقلها من الترجمة الإنجليزية: «إنه كان نموذجيا فيما كان يعانيه من اعتلال نشاطه الروحي،
2
صفحة غير معروفة