وددت يا فتاتي أن أذكر لك - لولا كبريائي - أننا أمة تحسب بالحزمة لا بالعود؛ فأبناء العزبة كلهم - عند الوجيه صاحب العزبة - خلية واحدة تتبعه. والأصل عندنا في الأسرة، يا مرغريت، هو إما أن يكون الزوج كل شيء والزوجة لا شيء، وأن يكون الوالد صاحب الكلمة التي لا ترد، والأبناء في عينه هباء. وإما أن يفلت الزمام، فتصبح الزوجة كل شيء والزوج لا شيء، ويصبح الأبناء الصغار مردة طغاة والوالدون أتباعا.
الأصل عندنا، يا مرغريت، ألا يعيش فرد إلا إذا أكل في جوفه أفرادا. أما أن يعيش الأفراد جميعا في توازن واتساق كما تقوم أنغام الموسيقى ممتزجة متجاورة؛ فهو عندنا ضرب من المحال.
لكنى مستبشر؛ فنحن اليوم في رجة اجتماعية عنيفة قد أيقظت بعضا، وما تزال توقظ بعضا؛ ليعلموا - كما علمت - كيف يعيش الفرد آدميا كاملا.
عندما أطللت من النافذة
هذه المقالة تجربة أدبية قمت بها، وأريد عرضها على القراء ليروا رأيهم ... فمن أهم الاتجاهات الأدبية السائدة اليوم، اتجاه نفسي يريد للأديب أن يسجل مجرى خواطره كما تقع في شعوره، لا يتخير منها شيئا ليدع شيئا آخر؛ إذ لا تفرق هذه المدرسة الأدبية بين وقائع الحياة الشعورية، بحيث تجعل منها ما هو هام فيؤخذ ويسجل، وما ليس بهام فيترك ويهمل. ولا مانع عند أنصار هذا المذهب الأدبي من أن تأتي الخواطر مفككة و«تافهة»، ما دامت قد وردت على هذا النحو في رأس الكاتب ... ولم يتخير الأديب؟ إن الإشارة العابرة والفكرة الشاردة قد يكون لها مدلول لا يقل في خطره عما اصطلح الناس على تسميته بالفكرة المجيدة الجليلة.
في ذلك تقول الكاتبة فرجينيا وولف: «علينا أن نسجل الخواطر كما تقع في الذهن، وبالترتيب الذي تقع به ... مهما تكن من التفكك في ظاهرها ... إن الحياة لا تتمثل في الذي يسمونه فكرة عظيمة، بأكثر مما تتمثل فيما يزعمونه تافها حقيرا.»
وفي مثل ذلك أيضا يقول الشاعر الإنجليزي ت. س. إليت: «لتكن (كتابة الأديب) كالسحابة تزجيها الرياح الشمالية الشرقية منسابة في غير شكل.
حياة الإنسان مجموعة من حوادث عابرة.
لقد ملئت أيامنا بالتوافه الضئيلة.
يشغلنا هذا وذلك، ثم ذاك وما يتلوه.
صفحة غير معروفة