شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
تصانيف
فقبلته لآخر مرة، وركعت على الأرض مخفية وجهها بين راحتيها. فتلفظ الجلاد بكلمات مؤداها مجازاة الخائنين بما يستحقون من عقاب عادل. فهتف الجمهور وصاح يقول: ليمت عدو الدين! وليمت عدو الدوق دي جيز!
وهنا قال الجلاد ماتيو: تعذرني يا كتبي جهنم إذا لم أنجز فيك أمر الدوق دي جيز؛ لأنه أمرني بشنقك على خشبة عالية، ولكن الوقت لا يتسع للبحث عن شجرة فأنا أشنقك بالحديد.
وطوق عنقه بطوق من حديد، وضغطه به فأزهق روحه كما فعل بجسبار عديل لارنودي فيما مضى.
فلبثت مادلين وقتا طويلا في ذلك المكان، ولما خطر لها الانصراف وجدت بلترو بقربها، وكان قد سافر ليلته بطولها ليرى صديقه في أواخر حياته، فأمسك بيد الفتاة، ومشى وإياها إلى البيت، فقالت له: إليك كل ما نمتلكه من مال فادفعه إلى أولئك الأنذال حتى يأذنوا لك بنقل جثة أبي.
فأجابها: سأفعل يا مادلين.
قالت: شكرا لك يا بلترو، فإني لم أر سواك في وقت الشدة.
ودفع بلترو ثلاثين دينارا حتى تمكن من أخذ الجثة ودفنها، وعاد إلى مادلين فسار بها إلى المدفن، وجاء بقسيس ليلا فصلى على الميت. ثم إن مادلين أكرهت صديقها الوحيد بلترو على المبيت عندها تلك الليلة، فقال لها: لست قادرا على قبول هذه الدعوة خيفة أن ينثلم صيتك.
فأجابته بكآبة: إن المدينة كلها تحسبني فتاة ساقطة، فلا صيت لي، وغدا نتكلم عن الماضي، وعن المستقبل.
وفي اليوم التالي نزلت مادلين إلى الحانوت فأبصرت فيه كل ما يذكرها بأبيها فبكت بكاء شديدا، ولحق بها بلترو فمدت إليه يدها، وقالت له: أنت أخي فأنا أحبك حب الإخاء، ويحق لك أن تطالبني بإيضاح عما مضى.
قال: يالله ولم الكلام عن أشياء مضت؟
صفحة غير معروفة