شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
تصانيف
كان الأستاذ يعقوب لوم يتمشى في حانوته في أورليان مسرورا، ولاحظته ابنته فلم تر على وجهه أمارات الانزعاج كالعادة، فقالت له: ها قد طابت نفسك يا أبت فلست أراك مكتئبا. - نعم يا ابنتي، فإنني اليوم أشد سرورا مني بالأمس. - أكنت مغموما يا أبت ولم تخبرني؟ - لم أكن مغموما، ولكن القلق أزال سروري. ألا تذكرين ذلك الكتاب الذي سلمني إياه بلترو؟ - نعم، هو كتاب عنوانه «النمر» كتب ضد الدوق دي جيز. - نعم، وقد توسلت إلي كي لا أطبعه، إلا أنني طبعته خفية عنك، وكان شديد اللهجة والطعن حتى جعلني أفقد راحتي، وكان يخطر لي على الدوام أن أحد رسل الدوق قد يعثر عليه في مكتبتي. - لقد أتيت أمرا إدا يا أبت. - لا خوف يا بنية، فلم يبق عندي إلا رزمة واحدة من هذا الكتاب، وسوف يأتي صباح اليوم رسول من عند أمير كوندة ليأخذ تلك الرزمة. فإذا جاء غدا أحد من رجال الدوق إلى هنا لم يجد عندي شيئا.
واستمر الكتبي يصف الكتب والأوراق، وانهمكت مادلين في شغل البيت. إلا أنهما سمعا وقتئذ ضجة في الشارع، وأحسا بقوم مقبلين إلى الحانوت.
وكان في المدينة رجل اسمه ماتيو، ينوب عن الجلاد فيلار في مهمة التعذيب، وقد تلقى أمرا بالبحث في مكتبة يعقوب لوم عن الكتب. فاتجه بجماعة من رجاله إلى حانوته فدخله فرأى اصفرار الأموات على وجه يعقوب، فقال له: إن اصفرارك يدل على اجترامك، وعلى أن ضميرك غير مستريح.
فأجابه لوم: إن ضمير الرجل الصالح المستقيم مستريح على الدوام.
فرفع ماتيو كتفيه وأخرج كتابا من محفظة معه، وأطلع الكتبي عليه قائلا له: أتعرف هذا؟
فأدرك لوم أنه هالك.
فقال ماتيو: أتعرف هذا الكتاب؟ إنك لا تريد مجاوبتي على سؤالي، فابحثوا يا رجال.
ولم تطل مدة البحث؛ لأن أحد الرجال وجد الرزمة في إحدى زوايا الحانوت فحملها إلى ماتيو، فأخرج منها مائتي نسخة شبيهة بالنسخة التي كانت معه.
فرفع يده على كتف لوم، وقال: إني أنوب عن الملك والدوق دي جيز وأستاذي فيلار في القبض عليك!
فأجابه الكتبي: لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا!
صفحة غير معروفة