وتسلم الحاج سعيد المبلغ، وقام وهو يقول: دقيقة واحدة، أحضر لك الوصل. - على راحتك.
وحين تسلم طلبة الوصل فاجأ الحاج سعيد بقوله: نحن لسنا في الدنيا يا حاج سعيد. - من المؤكد أننا لسنا في الآخرة. - والله بالك رائق للهزار. - إذا كنت تقول نحن لسنا في الدنيا. - أتعتبر المكاسب التي أكسبها أنا من القطن، أو تكسبها أنت من الأرض أو الر... أو التسليف مكاسب؟ - ابن آدم لا يملأ عينه إلا التراب. - تراب من يا عم؟ اصح وبص للدنيا حواليك. - ماذا جرى يا طلبة؟ - المكاسب التي سمعت عنها ورأيتها هبلتني. - أي مكاسب ... مكاسب القطن؟ - قطن من يا عم؟ ... اردم. - أي مكاسب تقصد إذن؟ - مكاسب البورصة. - بورصة القطن؟ - أنعم وأكرم! ولكن هذه بورصة لا يطيق الدخول فيها إلا العتاولة الأشداء. - فأي بورصة تقصد؟ - بورصة الأسهم والسندات. - الأسهم والسندات؟ - نعم الأسهم، تعرفت في الإسكندرية على سمسار يعمل في بورصة الأسهم، وحاول أن يغريني بشراء بعض أسهم الشركات. - وقبلت؟ - رفضت من خيبتي. - أية خيبة؟ - أتعرف أن الأسهم التي عرضها علي كسبت كم في ظرف ثلاثة أيام ؟ ... عشرين ألف جنيه. - فعلا، يا خيبتك! ولكن لماذا لم تشتر أسهما أخرى؟ - ما معي لا يكفي التجارة والأسهم، فكرت جديا، ولكن المال السائل عندي لا يستطيع أن يواجه تجارة القطن والأسهم في وقت معا، وأنا في القطن طول عمري وأخاف أن أتركه، فلا أجد القوت الضروري. - وصاحبك هذا أين تجده؟ - هذا ما أريد أن أقوله لك. - يعني تقصد؟ ... - وهل في هذا كلام؟ - نذهب إلى الإسكندرية. - هو مكتبه في القاهرة. - نذهب إليه. - ولماذا تذهب؟ بثمن التذاكر أقم للرجل وليمة وأنا أجيء به إليك. - وهو كذلك ... متى؟ - غدا أفوت عليك في المغربية وأخبرك بالموعد. - على بركة الله، ولكن كيف ستتصل به؟ - لماذا خلقت التليفونات إذن؟ - معك رقمه؟ - وعنوانه. - إذن إلى الغد.
وتحدد الموعد، ولبى نعيم وهبة دعوة الغداء التي أقامها الحاج سعيد، وطبعا كان في رفقته طلبة عمران.
وبدأت المناقشات، وما لبث أن اقتنع سعيد بجدوى الإقدام على هذا الميدان.
الفصل السادس
أصبح بهجت كل شيء في المعاملات سواء بالشركة أو بالوزارة، وتوثقت صلاته مع الجميع، وقد حرص ألا يجد فرصة للتعرف على الموظفين الذين يتولون المناصب الحساسة في الوزارات والشركات إلا اهتبلها.
غير ملق بالا إلى الوزراء الذين كانوا يغدون إلى الباشا في مكتبه أو رؤساء مجالس إدارة الشركات. الوزير إن كان وزيرا اليوم فهو في الغد جالس بالمقهى، وكذلك الحال مع رؤساء الشركات؛ فإنهم وصلوا إلى أعلى السلم، فلم يبق أمامهم إلا الخروج ليحل آخرون محلهم.
إنما الحزم أن أصرف همي كله إلى الشباب الذي سيصبح في الغد مسيطرا على كل شيء؛ فسني الآن لا تتيح لي إلا أن أعمل لحساب نفسي، فلماذا أبذل الجهد مع الوزراء ورؤساء مجالس الإدارة؟ إنما الآخرون البعيدون عن الأعين والذين في أيديهم عصب الشئون المالية والإدارة، هم الذين ينبغي أن أجعل منهم أقرب الأصدقاء.
بينما كان بهجت في مكتبه بالوزارة إذا به يفاجأ بممدوح زيدان قادما إليه، فهب واقفا وكان طبعا قد تعرف به والتقى كل منهما بالآخر مرات كثيرة بمنزل الباشا.
وسارع بهجت قائلا: أهلا ممدوح بك، شرفت، أتريد الباشا؟ - أهلا يا بهجت، استرح، أنا أريدك أنت لا الباشا. - أنا؟! - نعم أنت، وهل أنت؟ وهل أنت قليل؟ وأريدك في شيء مهم أيضا. - اعتبره تم. - هكذا دون أن تعرفه؟ - يكفي أنه أمر صادر منك. - هذا هو العشم ... فأنت أخ عزيز. - العفو يا سعادة البك، هذا تفضل منك لا أستحقه. - اسمع يا عم بهجت. - أذني وقلبي تحت أمرك. - أنا عندي أعمال كثيرة متشعبة، والباشا يمدح نشاطك وإخلاصك، والأمر لا يحتاج إلى دليل؛ فقد اختارك أنت بالذات لتكون سكرتيرا له. - الباشا رجل عظيم، وأنا أتعلم منه الكثير. - أنا أريدك أن تشرف على أعمالي في أوقات فراغك، وسيكون مرتبك مني مثل المرتب الذي تتقاضاه من الباشا لتراعي شئونه الخاصة. - أنت رجل عظيم يا ممدوح بك، والعمل معك يزيدني شرفا، ومسألة المرتب ليست مهمة. - بل مهمة كل الأهمية؛ فالمرتب يجعلك تشعر أن الأمر جد، وأنك تقوم به مقابل مال، وأي عمل لا يكون مقابله مال لا يتسم بالجدية. - متى تحب أن تبدأ العمل؟ - سعادتك تعرف أنني أذهب إلى الشركة بعد الظهر. - أعرف. إنما أريدك بعد السابعة. - وهو كذلك. - خاصة أن عملك معي أغلبه سيكون متابعة القضايا الخاصة بي مع المحامين، المحامون لا يكونون في مكاتبهم إلا في المساء. - المحامون ... هل هم أكثر من واحد؟ - ثلاثة، حتى لا يشعر واحد منهم أنه يستطيع أن يتراخى في أعمالي وفي الدعاوى المرفوعة مني أو علي. - بسم الله، ما شاء الله، تفكير سليم ... أكون عند سيادتك غدا الساعة السابعة. - وأنا في انتظارك.
صفحة غير معروفة