50

شبهات المشككين

تصانيف

٤٩- قوم النبى محمد ﷺ زناة من أصحاب الجحيم! الرد على الشبهة: ما ذنب النبى محمد ﷺ أن يقع قومه ومن أرسل إليهم فى خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم؟ مادام هو صلوات الله وسلامه عليه قد برئ من هذه الخطيئة ولاسيما فى مرحلة ما قبل النبوة، وكانت مرحلة الشباب التى يمكن أن تكون إغراء له ولأمثاله أن يقعوا فى هذه الخطيئة؛ لاسيما وأن المجتمع الجاهلى كان يشجع على ذلك وكان الزنا فيه من الأمور العادية التى يمارسها أهل الجاهلية شبانًا وشيبًا أيضًا. وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها، وتُعلق على أبوابها علامات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة، وتعرف بيوت البغايا باسم أصحاب الرايات. ومع هذا الاعتراف العلنى من المجتمع الجاهلى بهذه الخطيئة، ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره المجتمع أو يعيب من يمارسونه؛ فإن محمدًا ﷺ لم يقع فيها أبدًا بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له ﷺ بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل الشخصية التى يزدان بها الرجال وتحسب فى موازين تقويمهم وتقديرهم، وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر. هذه واحدة والثانية: أن الرسالة التى دعا بها ودعا إليها محمد ﷺ حرّمت الزنا تحريمًا قاطعًا وحملت آياتها فى القرآن الكريم عقابًا شديدًا للزانى والزانية يبدأ بعقوبة بدنية هى أن يجلد كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علنًا بحيث يشهدها الناس لتكون عبرة وزجرًا لهم عن التورط فيها كما تقول الآية الكريمة: (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) (١) . فإذا كان الزانيان محصنين أى كل منهما متزوج ارتفعت العقوبة إلى حدّ الإعدام رميًا بالحجارة حتى الموت. ولا تقف العقوبة عند ذلك بل نرى أن رسالة محمد ﷺ تضع مَنْ يمارسون هذه الخطيئة فى مرتبة دونية من البشر حتى لكأنهم صنف منحط وشاذ عن بقية الأطهار الأسوياء فتقول الآية الكريمة عنهم: (الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) (٢) . من الذى يحمل المسئولية عن الخطيئة؟ فإذا كان محمد ﷺ قد طهر من هذه الخطيئة فى المجتمع الذى كان يراها عادية ومألوفة، ثم كانت رسالته ﷺ تحرمها التحريم القاطع والصريح، وتضع مرتكبيها فى مرتبة الانحطاط والشذوذ عن الأسوياء من البشر.. فلِمَ يُعَيّر محمد ﷺ بأن بعض قومه زناة؟ وهل يصح فى منطق العقلاء أن يعيبوا إنسانًا بما فى غيره من العيوب؟ وأن يحملوه أوزار الآخرين وخطاياهم؟. وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص بالمسئولية عن الخطيئة أهى فردية خاصة بمن يرتكبونها؟ أم أن آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها؟ ! أن الإسلام يمتاز بأمرين مهمين: أولهما: أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها ولا يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه فى حملها غيره وصريح آيات القرآن يقول: (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليه ما اكتسبت) (٣) . ثم: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) (٤) . وورد هذا النص فى آيات كثيرة. أما الأمر الثانى: فيما أقره الإسلام فى مسألة الخطيئة فهو أنها لا تورث، ولا تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو بين الآباء وأبنائهم وفى هذا يقول القرآن الكريم: (واتقوا يومًا لا تجزى نفس عن نفس شيئًا) (٥) . (هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت) (٦) . (ليجزى الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب) (٧) . (يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها) (٨) . (ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) (٩) . (كل نفس بما كسبت رهينة) (١٠) . وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقرَّه الإسلام من أن الخطايا فردية وأنها لا تورث ولا يجزى فيها والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئًا. وما دام الأمر فلا أن فلم يلام محمد ﷺ ولا يعاب شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة مارسوا الخطيئة التى كان يعترف بها مجتمعه ولا يجزى فيها شيئًا أو ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها. وحسب محمد ﷺ أنه لم يقع أبدًا فى هذه الخطيئة لا قبل زواجه ولا بعده، ثم كانت رسالته دعوة كبرى إلى التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية فى المصرف الحلال الذى حض الإسلام عليه وهو النكاح الشرعى الحلال، ودعا المسلمين إلى عدم المغالاة فى المهور تيسيرًا على الراغبين فى الحلال، حتى كان الرسول ﷺ يزوج الرجل بأقل وأيسر ما يملك من المال، وأثر عنه ﷺ أن شابًا جاءه يرغب إليه فى الزواج وما كان معه ما يفى بالمراد فقال له ﷺ: [التمس ولو خاتمًا من حديد] (١١) . أكثر من هذا أنه ﷺ كان يزوج بعض الصحابة بما يحفظ من القرآن الكريم. لهذا لم تقع خطايا الزنا فى المجتمع فى العهد النبوى كله إلا فى ندرة نادرة، ربما لأن الحق سبحانه شاء أن تقع وأن يقام فيها الحد الشرعى ليسترشد بها المجتمع فى مستقبل الأيام؛ كتشريع تم تطبيقه فى حالات محددة يكون هاديًا ودليلًا فى القضاء والحكم. هذا عن اتهام محمد ﷺ بأن أهله زناة، وهو كما أوضحنا اتهام متهافت لا ينال من مقام النبوة ولا يرتقى إلى أقدام صاحبها ﷺ. وقد أتينا عليه بما تستريح إليه ضمائر العقلاء وبصائر ذوى القلوب النقية. أما عن اتهامه ﷺ بأن أهله من أصحاب الجحيم، فهى شهادة لجلال التشريع الذى أنزله الحق - على محمد فأكمل به الدين وأتم به النعمة. بل إن ما يعيبون به محمدًا ﷺ من أن أهله من أصحاب الجحيم ليس أبدًا عيبًا فى منطق العقلاء ذوى النصفة والرشد؛ بل إنه وسام تكريم لمحمد ﷺ ولرسالته الكاملة والخاتمة فى أن التشريع الذى نزلت به سوَّى بين من هم أقرباء محمد ﷺ وبين من هم غرباء عنه فى جميع الأحكام ثوابًا وعقوبة. بل إن التشريع الذى نزل على محمد ﷺ نص صراحة على التزام العدل خاصة حين يكون أحد أطرافه ذا قربى فقال القرآن: (ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) (١٢) . وقوله: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) (١٣) . أما فى السنة النبوية فحديث المرأة المخزومية - من بنى مخزوم ذوى الشرف والمكانة - التى ارتكبت جريمة السرقة وهى جريمة عقوبتها حدّ السرقة وهو قطع يد السارق كما تنص عليه آيات القرآن، وشغل بأمرها مجتمع المدينة لئلا يطبق عليها الحدّ فتقطع يدها وهى ذات الشرف والمكانة فسعوا لدى أسامة بن زيد - حبِّ رسول الله ﷺ أن يشفع لها لدى رسول الله ﷺ فكلم رسول الله ﷺ فقال: [أتشفع فى حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب فقال: يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها] (١٤) . وعليه فكون بعض آل محمد وذوى قرباه من أصحاب الجحيم كأبى لهب عمه الذى نزلت فيه سورة المسد: (تبت يدا أبى لهب وتب) (١٥) وغيره ممن كان نصيرًا لهم مع بقائه على شركه.. كون هؤلاء من أصحاب الجحيم لأنهم بقوا على شركهم ولم تنفعهم قرابتهم لمحمد ﷺ هو فى الواقع شهادة تقدير تعطى لمحمد ورسالته التى سوَّت فى العدل بين القريب وبين الغريب، ولم تجعل لعامل القرابة أدنى تأثير فى الانحياز ضد الحق لصالح القريب على الغريب. وما قاله المبطلون هو فى الحق وسام وليس باتهام. وصلى الله وسلم على النبى العظيم.

(١) النور: ٢. (٢) النور: ٣. (٣) البقرة: ٢٨٦. (٤) الأنعام: ١٦٤. (٥) البقرة ٤٨. (٦) يونس: ٣٠. (٧) إبراهيم: ٥١. (٨) النحل: ١١١. (٩) الجاثية: ٢٢. (١٠) المدثر: ٣٨. (١١) رواة البخارى [كتاب النكاح] . (١٢) التوبة: ١١٣. (١٣) الأنعام: ١٥٢. (١٤) رواة البخارى [كتاب أحاديث الأنبياء] . (١٥) المسد: ١.

1 / 98