59

شرح المطلع على متن إيساغوجي

تصانيف

ولذلك عيَّن هذين اللفظين مع كون المناسب أن يَذكر مصطلحًا قد ذكره المصنّف، المناسب إذا أراد أن يأتي بما يشير إلى المقصود أن يأتي بلفظٍ أو مصطلح قد ذكره المصنَّف فيما يأتي، لكنه جاء بلفظٍ الذي هو يُعتبر تقسيمًا للعلم ولم يَذكره المصنّف، لعله فيه فُسحةً للشارحين أن يذكروا هذا الباب في هذا المقام، وهذا الذي سنسلكه. يعني: قوله: (سلوكَ سبيل التصور والتصديق) نقول: هذا فيه إشارةٌ إلى بابٍ يُعنوِن له المناطقة في كتبهم: بابُ أنواع العلم الحادث، كما عنوَن له في السُلَّم. فيذكرون حدَّ العلم، ثم يذكرون تقسيم العلم إلى تصور وتصديق، ثم يقسِّمون هذين القسمين إلى النظري والضروري، ثم يذكرون طريق كل واحدٍ منهما. فهذه ثلاثة مسائل: حدُّ العلم أولًا. ثم يُقسَّم العلم باعتبار ما يتعلق به الإدراك إلى تصور وتصديق. ثم ثالثًا يُقسَّم العلم باعتبار الطريق إليه وهو كونه نظريًا أو ضروريًا. ولذلك يقول: أنواع العِلم. لماذا أنواع العلم؟ لأن العمل أنواع أربعة؛ لأنه إما تصوَّر وإما تصديق، وكلٌ منهما إما نظري أو ضروري. تصور نظري تصور ضروري، تصديقٌ نظري تصديقٌ ضروري. هذه أربع، ولذلك يقول: أنواع. بعضهم يجعل هذا التركيب وهو موجودٌ في كتب المناطقة يقول: أنواع العلم احترازًا عن علم الله تعالى فإنه لا يتنوع. وهذا لا يُسلَّم .. القول بأن علم الله تعالى لا يتنوَّع هذا ليس على طريقة أهل السنة والجماعة، وإنما قد يقال على وجهٍ ما بقولهم: العلم الحادث احترازًا من علم الله تعالى؛ لأن البحث في هذا النوع بكونه ينقسم إلى أربعة أقسام إنما هو في علم المخلوقين؛ لأن الذي يوصف بكونه تصورًا أو تصديقًا أو نظريًا أو ضروريًا نقول: هذه الأوصاف الأربعة لا يوصف بها علم الباري جل وعلا، لماذا لا يوصف بها؟ أولًا: لم يرِد، هذا التعليل الأكبر. لأن الأصل فيما يُوصف الله تعالى به أو يُسمى هو الاعتماد على ما جاء به الوحيان: كتاب وسنة. هذا الأصل .. أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ إثباتًا أو نفيًا. وهذه الألفاظ لم يرِد واحدٌ منها، لم يرد في القرآن وإنما جاء وصف العلم مطلقًا، فلم يقيَّد بكونه تصوريًا ولا تصديقيًا، ولا نظريًا ولا ضروريًا. إذًا: هذه الأوصاف الأربعة إنما تختص بعلم المخلوقين، وأما علم الباري جل وعلا فلا يُوصف بواحدٍ منها البتة؛ لأنه لم يرد. ثم بعضها يُوهم النقص بل فيه نقص، كالنظري مثلًا المراد به العلوم الكسبية يعني: التي تُستحصَل، لم يكن معلومًا ثم علِمه، هذا لا يمكن أن يقال في حق الباري جل وعلا، ولذلك قال هناك في التوشيح: عِلْمُ الإِلَهِ لاَ يُقَالُ نَظَرِي وَلَيْسَ كَسْبِيًَّا فَكُلُّ مُوْهِمِ ... وَلاَ ضَرُورِيٌّ وَلاَ تَصَوُّرِي يُمْنَعُ فِي حَقِّ الْكَرِيْمِ المُنْعِمِ لكن التعليل هذا ليس على إطلاقه، (فَكُلُّ مُوْهِمِ يُمْنَعُ) يعني: كلُّ ما أوهَم نقصًا وعيبًا وتشبُّهًا بالمخلوقين (يُمْنَعُ فِي حَقِّ الْكَرِيْمِ المُنْعِمِ) هذا بناءً على قولهم: وَكُلُّ نَصٍّ أَوْهَمَ التَّشْبِيهَا ... أَوِّلْهُ أَو فَوِّضْ وَرُمْ تَنْزِيهَا

3 / 8