وأنت إذا تأملت وجدت التناهى وغير التناهى (1) يكفى في تحقق وجوده أن يكون (2) كما متصلا وهو المقدار المشاهد (3). وبنا حاجة شديدة إلى أن نبين أن المقدار المشاهد قائم في مادة وموضوع وليس (4) موجودا إلا في موضوع فإن هذا ليس يبين بنفسه (5)، بل يحتاج في إبانته إلى تكلف يعتد به ، فكيف يؤخذ (6) هذا مقدمة (7) في إنتاج ما هو بين بنفسه ، وكذلك ما قالوا من أن المحدود متجزئا (8) بأجزاء حده وغير ذلك.
وأما سائر القوم فلنشر إشارة خفيفة (9) في هذا الموضع إلى فساد مذاهبهم (10)، ثم لنا (11) (12) في مستقبل ما نكتبه كلام يوقف منه على جلية (13) الحال في زيغهم (14) وقوفا شافيا. ونقول الآن (15): أما القائلون منهم بأن المبدأ واحد فيتوجه إليهم النقض من وجهين : أحدهما من جهة أنهم قالوا : إن المبدأ واحد ، والثاني من جهة أنهم قالوا : إن ذلك المبدأ هو ماء أو هواء. فأما النقض عليهم من جهة أن ذلك المبدأ هو ماء أو هواء فالأخلق (16) به الموضع الذي نتكلم فيه على مبادئ الكائنات الفاسدات لا على المبادئ العامة ، فإنهم وضعوا ذلك المبدأ مبدأ للكائنات الفاسدات (17) أيضا. وأما الدلالة على فساد قولهم إن المبدأ واحد ، فهو أن مذهبهم (18) يجعل الأمور كلها متفقة في الجوهر مختلفة في الأعراض ، ويبطلون مخالفة الأجسام بالفصول المنوعة (19)، وسيتضح لنا أن الأجسام يختلف بالفصول المنوعة (20) وأما القائلون بأن المبادئ التي يتكون عنها (21) هذه الكائنات غير متناهية ، فقد اعترفوا أنهم لا علم لهم ، بالكائنات ، إذ مبادئها غير متناهية. فلا يحاط بها (22) علما ، فلا يحاط بما (23) يتكون عنها ؛ وإذ (24) لا سبيل إلى معرفة الكائنات فكيف علموا أيضا أن مبادئها غير متناهية؟ وأما مناقضتهم من جهة تخصيصهم تلك الأمور غير المتناهية بأنها أجزاء لا تتجزأ مبثوثة في الخلاء أو مودعة في الخليط ، فالأحرى أن نشتغل (25) به حيث ننظر في مبادئ الكائنات الفاسدة أيضا. وإذ بلغنا هذا المبلغ ، فلنختم هذا الفصل. وهذا (26) الفصل داخل في كتابنا بالعرض فمن شاء أن يثبته أثبته ، ومن شاء أن لا يثبته لا يثبته.
صفحة ٢٨