ولو أن قائلا أصلح هذا اللفظ فقال: والأمور التى لها إلى الكيفية نسبة ما، كانت هذه الأمور جواهر وكميات عرض لهما نسبة إلى الكيفيات؛ فتكون الجواهر والكميات تدخلان فى مقولة غير مقولتهما بسبب عارض يعرض لهما فيكون دخولهما فى تلك المقولة بالعرض. وما دخل فى مقولة بالعرض فليست المقولة جنسا له ولا هو نوع من المقولة. وإنما يأخذ المقولات فى هذا الموضع على أنها أجناس؛ وإنما يبحث عن دخول الأشياء فيها على أنها أنواع لها؛ وأما على سبيل غير ذلك فلا يمنع أن تدخل بعض أنواع مقولة فى مقولة أخرى. فإن لم يعن هذا وعنى نسبة الجوهر والكمية أو شىء آخر، إن كان إلى الكيفية لا إلى ذات الجوهر والكمية، فليست الكيفية أولى بهذا التخصيص من الكمية. على أن لمطالب أن يطالب فيقول: ولم تجعل للنسبة إلى الكميات أيضا مقولة ؟ ويلزم حينئذ أن تجعل النسبة إلى كل مقولة مقولة، فتتضاعف المقولات بل لا تتناهى؛ فإنه قد يمكن أن يفرض إلى المقولة، التى هى نسبة، نسبة. وإن قوما آخرين قالوا: إن الانفعال هى الكيفية لا غير؛ فليس التسخن غير السخونة.وما قالوه باطل؛ فإن التسخن هو سلوك إلى السخونة، فإن كان المتسخن له فى كل آن سخونة، فليس تسخنه تلك السخونة، بل تسخنه إنما هو بالقياس إلى سخونة مطلوبة. وبالجملة فإن التسخن هيئة غير قارة والسخونة هيئة قارة.ولو كان التسخن هو السخونة، لكان التكيف المطلق هو الكيفية؛ فكان طلب الكيفية كيفية؛ فكان الطالب طالبا لما هو موجود له. كل هذا باطل فاسد؛ وسيتضح لك فى العلم الطبيعى. فإن كان التكيف ليس كيفية، فبالحرى أن لايكون التكييف كيفية. والتكييف هو الفعل؛ فبالحرى أن لايكون الفعل كيفية. ولو كان التسخين سخونة لكان كل ما يسخن يتسخن وكان كل مايحرك يتحرك، وستعلم أن هذا غير واجب. واعتبر ذلك بالعشق؛ فإنه، كما تعلم من أمره، يحرك وليست فيه حركة.
وقد قال قوم: إن مقولة أن يفعل وأن ينفعل تجتمعان فى جنس واحد هو الحركة. وستعلم فى العلوم الطبيعية أن الحركة غير موصوف بها الفاعل وأنها ليست بفعل. ولو قالوا: أن ينفعل هى جملة الحركة أو حركة، وأن يفعل هى جملة التحريك أو تحريك، لكان أقرب من أن يصغى إليهم.
الفصل الرابع فصل (د) في ذكر أمور أوهمت أنها إما عامة أو خارجة في ذكر أمور أوهمت أنها إما عامة لشئ من العشرة عموم الجنس أو خارجة عن العشرة وتتميم القول فى ذلك
وههنا شكوك فى أمور يدعى أنها توجد خارج هذه العشرة لاتدخل فيها، وأن منها أمورا هى أعم من عدة منها: مثل الحركة فإنها تتناول الكيف والكم والأين بنحو ما؛ ومنها أمور مباينة لها: كالوحدة، التى هى مبدأ العدد؛ والنقطة، التى هىمبدأ بوجه للمقادير؛ وأيضا مثل الهيولى والصورة؛ وأيضا مثل الأعدام: كالعمى والجهل، وما أشبه ذلك، ومنهم من أورد لهذا الباب أمثلة جزئية كالشمال والجنوب، والغداء والعشاء.
فنقول: أما الحركة فإنها، إن كانت هى مقولة أن ينفعل، فما زادت جنسا؛ وإن لم تكن مقولة ينفعل، فإنها لايجب أن تكون جنسا، بل يجب أن تكون مقولة على أصنافها بالتشكيك، وأن يكون ذلك هو المانع من أن تجعل الحركة هى نفس مقولة أن ينفعل، إن امتنع؛ وإلا إن لم يكن هناك مانع من هذا القبيل، فمقولة ينفعل هى بعينها الحركة. وسيرد الكلام عليه فى موضعه.
صفحة ٧١