112

وليس افتراق الحال والملكة افتراق نوعين تحت جنس، فإن الانفصال بينهما ليس إلا بحال النسبة إلى التغير وزمان التغير، وهذا انفصال بأعراض لا بفصول داخلة فى طبيعة الشىء؛ ولا أيضا يجب أن يكون بين الحال والملكة اثينية، كما بين الشخصين ، بل يجوز أن يكون بينهما اثينية، كما بين شخص واحد بحسب زمانية كالصبى والرجل، فإنه ليس يجب أن يكون الصبى شخصا غير الرجل فى ذاته، وإن كان غيرا بالاعتبار. فإن الشىء الذى هو حال ما كابتداء بخلق أو تصنع لم يستقر بعد فى النفس، إذا تمرن عليه، انطبع انطباعا تشتد إزالته ، فيكون الشىء الواحد بعينه كان حالا ثم صار ملكة، فليس بحال. ومن الملكات العلوم والفضائل. ونعنى بالفضائل لا الأفعال المحمودة، بل الهيئات النفسانية التى تصدر عنها الأفعال المحمودة صدورا سهلا كالطبيعى من غير أن تحتاج إلى روية واختيار مستأنف، فتكون بحيث إذا أريد أضداد تلك الأفعال، شق على أصحابها وتعوقت عليهم واحتاجوا إلى تكلف. وهذا مثل خلق العدالة والعفة؛ والرذائل أيضا التى هى أضدادها، فإنها ملكات. فإن الفاجر بالخلق يتعذر عليه التعفف عند التمكن، فإن فعله تأذى به، وإن أتى بفعل الفجور سهل عليه، ففى نفسه هيئة مطاوعة نحو فعل، معاصية نحو آخر؛ فهذه ملكات. والعلوم أيضا ملكات. ليس إذا استوفى المتعلم أصول الصناعة ومهر فيها فقط، بل والرأى الواحد، إذا اعتقد وعلم وتيقن به، عسر زواله، أو يمنى البدن بآفة عظيمة من أمراض أو أحوال أخرى.

وأما الحال فيسمى بها ما كان من هذا الجنس سهل الزوال سهولة زوال الحرارةالعرضية والبرودة العرضية وزوال الصحة من المسقام والمرض الحاد من المصحاح، وإن كانت الحرارة والبرودة ليستا من هذا الجنس، وإنما أوردناها تمثيلا لما يزول بسرعة. وأما الصحة والمرض إذا كانا سهلى الزوال فهما من هذا القبيل. ومن الحالات الحرد والخجل والغم والهم والظن والعقد الذى لم يتبرم. فأما إذا صار شىء من الظن ومن الصحة ومن أو من المرض مستحكما لا يزول بسهولة، فهو من جملة الملكات.

وكل ما هو ملكة مكتسبة فقد كانت حالا، أى كانت تلك الهيئة إلى أن استحكمت حالا. وليست كل حال فإنها كانت ملكة فانحلت حالا. هكذا يجب أن تفهم هذا الموضع، لا ما فهم من أن الحال تقال على المعنى الذى هو أعم من الملكة. ثم إن الملكة لا تصير نوعا تحتها، كما لا يجب أن يصير الحيوان المتحرك والحيوان الأثبت نوعا لأنه يزيد على طبيعة العام بعرض لا بفصل، فإن الأمر ليس هكذا، لأن واضع هذين الاسمين قال: إن الفرق بين الملكة والحال أن هذه سهلة وتلك أطول زمانا وأعسر تحركا. والعام لا يحمل عليه الفصل، ولا العرض المقابل لعرض يخص واحدا مما تحته قد جعل له بحسبه اعتبار واسم، كما لا يقال: والفرق بين الحيوان وبين الإنسان أو بين الحيوان والحيوان الصحيح أن الحيوان أعجم أو مريض والإنسان ناطق أو الآخر صحيح. على أنى قليل الالتفات إلى أمر الأسماء؛ ولا أمنع أن يكون الجانب الذى يحتاج إلى التأويل هو هذا اللفظ، وأن يكون مما قاله واضع هذه التسمية، من أن الملكات أيضا هى حالات ليس على معنى أنها قد كانت حالات بل إنها فى الحقيقة حالات.

وحيث قال: " إن االفرق بين الحال والملكة أن هذه سهلة " معناه أن هذه قد تكون سهلة، لكن إيثارى لما آثرته لسبب تعارف الأقدمين المنقول عنهم هذه الألفاظ، وهو أن الحال هى كيفية سريعة الزوال، والملكة كيفية راسخة.

صفحة ١١٦