وإذ قد عرفنا هذه الألفاظ الكلية الخمسة، فيجب أن نعلم أن الشىء الذى هو منها جنس ليس جنسا لكل شىء، بل لنوعه فقط. وكذلك الفصل ليس يجب أن يكون فصلا لكل شىء، بل إما من حيث هو مقسم فلجنسه، وإما من حيث هو مقوم فلنوع ذلك الجنس. وأن الشىء الواحد قد يجوز أن يكون جنسا أو كجنس، وفصلا ونوعا وخاصة وعرضا؛ فإن الحساس كالنوع من المدرك، وجنس للسامع والمبصر، وفصل للحيوان؛ والماشى جنس لذى الرجلين ولذى أربع أرجل، ونوع للمتنقل، وخاصة للحيوانات، وعرض عام للإنسان. وربما اجتمعت الخمسة فى واحد، والجنس ليس جنسا للفصل ألبتة البتة ، ولا الفصل نوعا للجنس، وإلا لاحتاج إلى فصل آخر، بل الفصل معنى خارج عن طبيعة الجنس؛ فإن الناطق ليس هو حيوانا ذا نطق، بل شىء ذو نطق، وإن كان يلزم أن يكون ذلك الشىء حيوانا، وأما الحيوان ذو النطق فهو الإنسان؛ ولوكان الحيوان داخلا فى معنى الناطق لكان إذا قلت: حيوان ناطق، فقد قلت: حيوان هو حيوان ذو نطق، فإن ذا النطق والناطق شىء واحد. وإذا قيل الجنس على الفصل فهو كما يقال العرض اللازم على الشىء الذى يقال عليه ولا يدخل فى ماهيته، لكنه كالمادة للفصل، ونسبة الفصل إليه من وجه كنسبة الخاصة التى توجد فى البعض، لكن الفصل يقومه موجودا بالفعل، وإن لم يدخل فى حده وماهيته دخوله فى إنيته، ككثير من العلل وكالصورة لمادة، هذا إن كان الفصل أخص على الإطلاق من الجنس، ولم يقع خارجا عنه ة أو بالحقيقة، فإن قول كل واحد منهما عند التحصيل هو على النوع. وهذه الأشياء تتحصل لك فى الفلسفة الأولى. والجنس تكون نسبته إلى الفصل كنسبة عارض عام؛ وأما العارض العام فإنه قد يكون بالقياس الى الجنس خاصة، و بالقياس إلى النوع عرضا عاما، مثل الانتقال بالإرادة فإنه خاصة من خواص الحيوان، وعارض عام للإنسان؛ وربما كان خاصة لجنس أعلى، مثل البياض فإنه من خواص الجسم المركب، وعارض عام للإنسان، ور بما كان من خواص أعلى الأجناس كلها؛ وربما لم يكن العارض العام خاصة لشىء من الأجناس، إذا كان قد يعرض لغير تلك المقولة، مثل امتناع قبول الأشد والأضعف، فإنه من لوازم الجوهر على سبيل العموم له ولغيره، وليس خاصة لجنس من أجناسه، إذ ستعلم أن ذلك قد يقع فى غير أعلى أجناسه. والحيوان نسبته إلى هذا الحيوان من حيث هو حيوان ألحق به الإشارة ولم يعتبر فيه النطق نسبة النوع إلى الأشخاص، فإنه مقول عليه قول النوع الذى هو نوع بالقياس إلى الأشخاص فقط على الأشخاص، لا نسبة الجنس، بل إنما هو جنس بالقياس إلى أشخاص الحيوان من حيث صارت ناطقة، وكذلك الناطق بالقياس إلى هذا الناطق غير مأخوذ معه الحيوانية، فإنه كنوع له بالمعنى المذكور لا كفصل، بل هو فصل لأشخاص الحيوان من حيث هى حيوان. والضحاك أيضا فإنه كالنوع لهذا الضحاك من غير أن يعتبر إنسانا، وإنما هو خاصة للإنسان ولأشخاص الناس؛ وكذلك الأبيض أيضا لهذا الأبيض، من حيث هو أبيض مشار إليه، فإنه كالنوع له. والعرض العام إنما هو عرض عام للشىء الذى هو موضوع لكونه هذا الأبيض، لا لهذا الأبيض، من حيث هو هذا الأبيض. واعلم أن هذه الخمسة قد يتركب بعضها مع بعض تركبا بعد تركب، فالجنس يتركب مع الفصل، فإن المدرك جنس فصل الإنسان الذى هو الناطق مثلا، أو ذو النفس فإنه جنس للناطق، فهو جنس الفصل، وقد عرض له أن كان فصل الجنس، لأن ذا النفس فصل بعض الأجناس المتوسطة التى للإنسان. وقد يتركب الجنس مع العرض، مثل أن الملون جنس عرض الإنسان الذى هو الأسود والأبيض، لكن هذا التركيب يخالف الأول؛ فإنه ليس يجب أن يكون جنس الفصل المقوم جنسا مقوما للنوع، وجنس العرض يجب أن يكون عرضا لاحقا لذلك النوع. نعم قد يكون جنس الفصل فصلا مقوما لجنس النوع، وكذلك قد يكون جنس العرض عرضا لاحقا لجنس النوع. وأما تركيب الجنس مع الخاصة فمثل أن المتعجب بالفعل جنس للضحاك بالفعل الذى هو خاصة، والصياح جنس للصاهل الذى هو خاصة. والفصل أيضا قد يتركب مع الجنس، كالحساس فإنه فصل جنس الإنسان؛ ويتركب مع الخاصة، مثل النسبة إلى قائمتين من قولنا: مساوى الزوايا الثلاث لقائمتين، فإنه فصل خاصة المثلث؛ وقد يتركب مع العرض، كالمفرق للبصر فإنه فصل عرض القطن. والخاصة قد تتركب مع الجنس، فإن المشى خاصة جس الإنسان؛ وقد تتركب مع الفصل، فلا تفارق فى كثير من المواضع خاصة النوع، وربما كان أعم من خاصة النوع، وذلك إذا كان الفصل أعم، مثل المنقسم بمتساويين الذى هو فصل الزوج، فإن ذا النصف خاصة لهذا الفصل. وقد تتركب مع العرض العام، فإن المبصر خاصة الملون، والملون عرض عام للإنسان. والعرض قد يتركب مع الجنس فلا يفارق عرض النوع، لأنه يكون عرضا للنوع، لكن من أعراض النوع ما هو خاصة للجنس، وليس عرضا عاما للجنس بل خاصة، ومنه ما هو عرض عام لها، وكذلك عرض الفصل وعرض الخاصة. تم كتاب إيساغوجى. والحمد لمولى النعم ومرادف الآلاء والقسم
صفحة غير معروفة