فنقول: إن الأول كاذب غير مسلم، فإن أحدهما هو الذي إذا حصل يجب عنه حصول الآخر بعد إمكانه وهو العلة. وأما المعلول فليس حصوله يجب عنه حصول العلة، بل العلة تكون قد حصلت حتى حصل المعلول. وأما القسم الثاني فلا يصدق في جانب العلة، فإنه ليس إذا وجدت العلة وجب في الوجود إن كان المعلول قد حصل من تلقاء نفسه أو بغير علة ، وذلك لأنه إن كان قد حصل فلم يجب في الوجود من حصول العلة إذا وجدت العلة وكانت تلك قد حصلت مستغنية الوجود، إلا أن لا يعني "بحصلت" ما مضى. ولكن تغني المقارنة ولا تصدق من جانب المعلول من وجهين: وذلك لأن العلة وإن كانت حاصلة الذات فليس ذلك واجب من حصول المعلول. والوجه الثاني أن الشيء الذي قد حصل يستحيل أن يجب وجوده بحصول شيء يفرض حاصلا إلا أن لا يعني بلفظ "حصل" مفهومه. وأما القسمان الآخران فالأول منهما صحيح، فإنه يجوز أن يقال: إذا وجدت العلة في العقل وجب عند العقل أن يحصل المعلول الذي تلك العلة علته بالذات في العقل؛ وأيضا إذا وجد المعلول في العقل وجب أن يحصل أيضا وجود العلة في العقل. وأما الثاني منهما وهو القسم الرابع فيصدق منه قولك: إنه إذا وجد المعلول شهد العقل بأن العلة قد حصل لها وجود لا محالة مفروغ عنه حتى يحصل المعلول، وربما كانت في العقل بعد المعلول لا في الزمان فقط، ولا يلزم أن يصدق القسم الآخر من هذين القسمين الداخلين في الرابع لما قد عرفت. وكذلك في جانب الرفع، فإنه إذا رفعنا العلة رفعنا المعلول بالحقيقة، وإذا رفعنا المعلول لم نرفع العلة، بل عرفنا أن العلة تكون قد ارتفعت في ذاتها أولا حتى أمكن رفع المعلول. فإنا لما فرضنا المعلول مرفوعا فقد فرضنا ما لا بد من فرضه معه بالقوة، وهو أنه كان ممكنا رفعه. وإذا كان ممكنا رفعه فإنما أمكن بأن رفع العلة أولا، فرفع العلة وإثباته سبب رفع المعلول وإثباته، ورفع المعلول دليل رفع ذلك، وإثباته دليل إثباته. فنرجع إلى حيث فارقناه، فنقول في حل الشبهة: إنه ليست المعية هي التي أوجبت لأحدهما العلية، حتى يكون ليس أحدهما أولى بالعلية من الآخر لأنهما في المعية سواء، بل إنما اختلفا لأن أحدهما فرضناه أنه لم يجب وجوده بالآخر، بل مع الآخر؛ والثاني فرضناه أنه كما أن وجوده مع الآخر فكذلك هو بالآخر. فهكذا يجب أن تتحقق هذه المسألة. ومما يشكل ههنا أمر القوة والفعل، وأنه أيهما أقدم وأيهما أشد
صفحة ٨٤