فيجب أن ندل على الموضوع الذي لهذا العلم لا محالة حتى يتبين لنا الغرض الذي هو في هذا العلم، فنقول: إن العلم الطبيعي قد كان موضوعه الجسم، ولم يكن من جهة ما هو موجود، ولا من جهة ما هو جوهر، ولا من جهة ما هو مؤلف من مبدئيه، أعني الهيولي والصورة، ولكن من جهة ما هو موضوع للحركة والسكون. والعلوم التي تحت العلم الطبيعي أبعد من ذلك. وكذلك الخلقيات. وأما العلم الرياضي فقد كان موضوعه إما مقدارا مجردا في الذهن عن المادة، وإما مقدارا مأخوذا في الذهن مع مادة، وإما عددا مجردا عن المادة، وإما عددا في مادة. ولم يكن أيضا ذلك البحث متجها إلى إثبات أنه مقدار مجرد أو في مادة أو عدد مجرد أو في مادة، بل كان من جهة الأحوال التي تعرض له بعد وضعه. كذلك والعلوم التي تحت الرياضيات أولى بان لا يكون نظرها إلا في العوارض التي يلحق أوضاعا أخص من هذه الأوضاع. والعلم المنطقي، كما علمت، فقد كان موضوعه المعاني المعقولة الثانية التي تستند إلى المعاني المعقولة الأولى من جهة كيفية ما يتوصل بها من معلوم إلى مجهول، لا من جهة ما هي معقولة ولها الوجود العقلي الذي لا يتعلق بمادة أصلا أو يتعلق بمادة غير جسمانية. ولم يكن غير هذه العلوم علوم أخرى. ثم البحث عن حال الجوهر بما هو موجود وجوهر، وعن الجسم بما هو جوهر، وعن المقدار والعدد بما هما موجودان، وكيف وجودهما، وعن الأمور الصورية التي ليست في مادة أو هي مادة غير مادة الأجسام، وأنها كيف تكون وأي نحو من الوجود يخصها، فما يجب أن يجرد له البحث. وليس يجوز أن يكون من جملة العلم بالمحسوسات، ولا من جملة العلم بما وجوده في المحسوسات، لكن التوهم والتحديد يجرده من المحسوسات. فهو إذن من جملة العلم بما وجوده مباين. أما الجوهر فبين أن وجوده بما هو جوهر فقط غير متعلق بالمادة وإلا لما كان جوهر إلا محسوسا. وأما العدد فقد يقع على المحسوسات وغير المحسوسات، فهو بما هو عدد غير متعلق بالمحسوسات. وأما المقدار فلفظه أسم مشترك، فيه ما يقال له مقدار، ويعنى به البعد المقوم للجسم الطبيعي، ومنه ما يقال مقدار، ويعنى به كمية متصلة تقال على الخط والسطح والجسم المحدود. وقد عرفت الفرق بينهما.
صفحة ٥