في هذا العلم. ويكون البحث عنه على وجهين: أحدهما البحث عنه من جهة وجوده، والآخر من جهة صفاته. وإذا كان البحث عن وجوده في هذا العلم، لم يجز أن يكون موضوع هذا العلم، فإنه ليس على علم من العلوم إثبات موضوعه، وسنبين لك عن قريب أيضا، أن البحث عن وجوده لا يجوز ان يكون إلا في هذا العلم، إذ قد تبين لك من حال هذا العلم أنه بحث عن المفارقات للمادة أصلا. وقد لاح لك في الطبيعيات أن الإله غير جسم، ولا قوة جسم، بل هو واحد بريئ عن المادة، وعن مخالطة الحركة من كل جهة. فيجب أن يكون البحث عنه لهذا العلم. والذي لاح لك من ذلك في الطبيعيات كان غريبا عن الطبيعيات، ومستعملا فيها، منه ما ليس منها، إلا أنه أريد بذلك أن يعجل للإنسان وقوف على إنية المبدأ الأول فتتمكن منه الرغبة في اقتباس العلوم، والإنسياق إلى المقام الذي هناك ليتوصل إلى معرفته بالحقيقة. ولما لك يكن بد من أن يكون لهذا العلم موضوع وتبين لك أن الذي يظن أنه هو موضوعه ليس بموضوعه، فلننظر: هل موضوعه الأسباب القصوى للموجودات كلها أربعتها إلا واحدا منها الذي لم يكن القول به. فإن هذا أيضا قد يظنه قوم. لكن النظر في الأسباب كلها أيضا لا يخلو إما أن ينظر فيها بما هي موجودات أو بما هي أسباب مطلقة، أو بما هي كل واحد من الأربعة على النحو الذي نحصه. أعني أن يكون النظر فيها من جهة أن هذا فاعل، وذلك قابل، وذلك شيء آخر؛ أو من جهة ما هي الجملة التي تجمع منها. فنقول: لا يجوز أن يكون النظر فيها بما هي أسباب مطلقة، حتى يكون الغرض من هذا العلم هو النظر في الأمور التي تعرض للأسباب بما هي أسباب مطلقة. ويظهر هذا من وجوه: أحدهما، من جهة أن هذا العلم يبحث عن معان ليست هي من الأعراض الخاصة بالأسباب بما هي أسباب، مثل الكلي والجزئي، والقوة والفعل، والإمكان والوجوب وغير ذلك. ثم من البين الواضح أن هذه الأمور في أنفسها بحيث يجب أن يبحث عنها، ثم ليست من الأعراض الخاصة بالأمور الطبيعية والأمور التعليمية. ولا هي أيضا واقعة في الأعراض الخاصة بالعلوم العملية. فيبقى أن يكون البحث عنها للعلم الباقي من الأقسام وهو هذا العلم. وايضا فأن العلم بالأسباب المطلقة حاصل بعد العلم بإثبات الأسباب للأمور ذوات الأسباب. فإنا ما لم نثبت وجود الأسباب للمسببات من الأمور بإثبات أن لوجودها تعلقا بما يتقدمها في الوجود، لم يلزم عند العقل وجود السبب المطلق، وأن ههنا سببا ما. وأما الحس فلا يؤدي إلا إلى الموافاة. وليس إذا توافى
صفحة ٣