الالاهيات من كتاب الشفاء

ابن سينا ت. 428 هجري
153

الالاهيات من كتاب الشفاء

تصانيف

تعد عند الجمهور من الأعواض، بل إما جواهر وإما أعراض يقررونها في موضوعات يظن أن المفيد غيره فائدة يربح منها شكرا هو أيضا جواد وليس مبايعا ولا معاوضا، وهو في الحقيقة معاوض؛ لأنه أفاد واستفاد سواء استفاد عوضا ماليا، إما من جنسه، وإما من غير جنسه، أو شكرا، أو ثناء يفرح به، أو استفاد أن صار فاضلا محمودا، بأن فعل ما هو أولى وأحرى الذي لو لم يفعله لم يكن جميل الحال في فضيلته. لكن الجمهور لا يعدون هذه المعاني في الأعواض، فلا يمتنعون عن تسمية من يحسن إلى غيره بشيء من هذه الخيرات المظنونة أو الحقيقية التي يحصل له بذلك ثناء، جوادا؛ ولو فطنوا لهذا المعنى لم يسموه جوادا، إذ الواحد منهم إذا أحسن إليه لعوض وإن كان شيئا غير المال، ففطن له، استخف المنة أو أنكرها وأبى أن يكون المحسن إليه جوادا إذ كان فعله لعلة، فإذا حقق وحصل معنى الجود كان إفادة الغير كمالا في جوهره أو في أحواله من غير ان يكون بإزائه، عوض بوجه من الوجوه، فكل فاعل يفعل فعلا لغرض يؤدي إلى شبه عوض فليس بجواد، وكل مفيد للقابل صورة أو عرضا وله غاية أخرى يحصل بالخير الذي أفاده إياه فليس بجواد. بل نقول: إن الغرض والمراد في المقصود لا يقع إلا للشيء الناقص الذات؛ وذلك لأن الغرض إما أن يكون بحسب نفسه في ذاته، أو بحسب مصالح ذاته، أو بحسب شيء آخر في ذاته، أو في مصالحه. ومعلوم أنه إن كان بحسب ذاته أو بحسب مصالح ذاته أو بحسب شيء آخر في مصالحه، وبالجملة بحسب أمر يعود إلى ذاته بعائدة ما، فذاته ناقصة في وجودها، أو في كمالاتها. وإن كان بحسب شيء آخر فلا يخلو إما أن يكون صدور ذلك المعنى عنه إلى غيره بحيث كونه عنه له ولا كونه عنه بمنزلة، حتى إنه لو لم يصدر عنه ذلك الخير الذي هو خير بحسب غيره كانت حاله من كل جهة كحالة لو صدر عنه ذلك، فلم يكن ذلك أجمل وأحسن به وأجلب إليه لمحمدة أو غيرها من الأغراض الخاصة في ذاته ولا ضده غير الأجمل به وغير الجالب إليه محمدة أو غيرها من الأغراض المأثورة والنافعة، حتى لو لم يفعل ذلك لما ترك ما هو أولى والأحسن به، فيكون لا داعي له إلى ذلك ولا مرجح لأن يصدر عنه ذلك الخير إلى غيره على مقابلة. ومثل هذا إن لم يكن شيئا يصدر ع طبع وعن إرادة ليست على سبيل إجابة داع بل على وجه آخر سيوقف عليه فلا يكون مصدرا لأمر من الأمور علة من العلل، بل يجب أن يكون الأولى بالفاعل القاصد بالقصد المذكور أن يكون إنما يفيض خيرا على غيره؛ لأنه أولى به، وضده غير الأولى به،

صفحة ١٥٢