وليس يكفي إذا أردنا أن نفرق بين الفصول والخواص القاسمة أن نقول: إن الذي عرض من جهة المادة فليس بفصل. فإن كونه غاذيا أو غير غاذ إنما يعرض من جهة المادة لكن يجب أن تراعي الشرائط الأخرى التي وصفناها. ولهذا لا نجد شيئا من جملة ما هو مغتذ من أنواع الجسم يدخل في جملة ما هو غير مغتذ، ونجد الإنسان وهو نوع لا محالة من الحيوان يدخل في جملة الذكر والأنثى جميعا، وكذلك الفرس وغيره، والذكر والأنثى قد تدخل أيضا في الإنسان والفرس. على ان هذا المثنى وهو ملازم ما به تقع القسمة للمقسوم - وإن كان من شرائط الفصل - فقد يكون في غير الفصل. فربما لزم ما ليس بفصل نوعا واحدا لا يتعداه؛ وذلك إذا كان من لوازم الفصل. ونرجع فنقول: وأنت تعلم أن المادة إذا كانت تتحرك إلى قبول حقيقة صورة ليحدث نوع، فقد يعرض لها عوارض من الأمزجة وغيرها تختلف بها حالها في أفعال تصدر عنها لا من حيث تقبل صورة الجنس أو صورة الفصل، إذ ليس كل ما تقبله من الأحوال وما يعرض لها إنما يكون من جملة ما هو داخل في الغاية التي إليها تتحرك في التكون. فقد علمت مصادمات الأمور الطبيعية، ومعارضة بعضها لبعض، والانفعالات التي تقع بينها، فربما كانت الانفعالات المعترضة صارفة عن الغاية المقصودة، وربما كانت موقعة لإختلافات لا في نفس الغاية المقصودة، بل في أمور تناسب الغاية مناسبة ما، وربما كانت في أمور خارجة عنها جدا. فما يعرض للمادة من هذه الجهة وتبقى معه المادة مستمرة إلى الصورة فذلك خارج عن معنى الغاية، والذكورة والأنوثة إنما تؤثر في كيفية حال الآلات التي بها يكون التناسل، والتناسل لا محالة أمر عارض بعد الحياة وبعد تنوع الحياة شيئا محصلا بعينه. فيكون ذانك وأمثالهما من جملة الأحوال اللاحقة بعد تنوع النوع نوعا، وإن كانت مناسبة للغاية. فما كان من الانفعالات واللوازم بهذه الصفة فليعلم أنها ليست من الفصول للأجناس. قد عرفنا طبيعة الكلي وأنه كيف يوجد وأن الجنس منها كيف يفارق المادة تعريفا ن وجه يمكن أن يتفرع منه وجوه سنوردها بعد، وعرفنا أي الأشياء يتضمنها الجنس مما يتنوع بها. وبقي بحثان متصلان بما نحن بسبيله. أحدهما، أي الأشياء يتضمنها الجنس مما ليس بمنوع إياه. والثاني، أن هذا التأحيد كيف يكون وكيف يكون عن الجنس وعن الفصل، وهما شيئان، شيء واحد متحصل بالفعل. فأما البحث الأول فنقول فيه: إن تلك الأشياء إذ لا تكون فصولا فهي لا محالة عوارض. والعوارض إما لازمة وإما غير لازمة. واللازمة إما لازمة لأجناس الجنس - إن كان له أجناس - وإما لفصول أجناسه وإما للجنس نفسه من فصله، وإما لفصول تحته، وإما لمادة شيء منها. وأما ما كان منها من
صفحة ١١٢