شرعي فمشيئته سبحانه متعلقة بخلقه وأمره الكوني وكذلك تتعلق بما يحب وبما يكرهه كله داخل تحت مشيئته كما خلق إبليس وهو يبغضه وخلق الشياطين والكفار والأعيان والأفعال المسخوطة له وهو يبغضها فمشيئته سبحانه شاملة لذلك كله وأما محبته ورضاه فمتعلقة بأمره الديني وشرعه الذي شرعه على ألسنة رسله فما وجد منه تعلقت به المحبة والمشيئة جميعا فهو محبوب للرب واقع بمشيئته كطاعات الملائكة والأنبياء والمؤمنين وما لم يوجد منه تعلقت به محبته وأمره الديني ولم تتعلق به مشيئته وما وجد من الكفر والفسوق والمعاصي تعلقت به مشيئته ولم تتعلق به محبته ولا رضاه ولا أمره الديني وما لم يوجد منها لم تتعلق به مشيئته ولا محبته فلفظ المشيئة كوني ولفظ المحبة ديني شرعي ولفظ الإرادة ينقسم إلى إرادة كونية فتكون هي المشيئة وإرادة دينية فتكون هي المحبة إذا عرفت هذا فقوله تعالى: ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ وقوله: ﴿لا يُحِبُّ الْفَسَاد﴾ وقوله: ﴿وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ لا يناقض نصوص القدر والمشيئة العامة الدالة على وقوع ذلك بمشيئته وقضائه وقدره فإن المحبة غير المشيئة والأمر غير الخلق ونظير هذا لفظ الأمر فإنه نوعان أمر تكوين وأمر تشريع والثاني قد يعصي ويخالف بخلاف الأول فقوله تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾ لا يناقض قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ ولا حاجة إلى تكلف تقدير أمرنا مترفيها فيها بالطاعة فعصونا وفسقوا فيها بل الأمر ههنا أمر تكوين وتقدير لا أمر تشريع لوجوه أحدها: أن المستعمل في مثل هذا التركيب أن يكون ما بعد الفاء هو المأمور به كما تقول أمرته فقام وأمرته فأكل كما لو صرح بلفظة أفعل كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا﴾ وهذا كما تقول دعوته فأقبل وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ الثاني: أن الأمر بالطاعة لا يخص المترفين فلا يصح حمل الآية عليه بل تسقط فائدة ذكر المترفين فإن جميع المبعوث إليهم مأمورون بالطاعة فلا يصح أن يكون أمر المترفين علة إهلاك جميعهم الثالث: أن هذا النسق العجيب والتركيب البديع مقتض ترتب ما يعد الفاء على ما قبلها ترتب المسبب على سببه والمعلول على علته ألا ترى أن الفسق علة حق القول عليهم وحق القول عليهم علة لتدميرهم فهكذا الأمر سبب لفسقهم ومقتض له وذلك هو أمر التكوين لا التشريع الرابع: أن إرادته سبحانه لإهلاكهم إنما كانت بعد معصيتهم ومخالفتهم لرسله فمعصيتهم ومخالفتهم قد تقدمت فأراد الله إهلاكهم فعاقبهم بأن قدر عليهم الأعمال التي يتحتم معها هلاكهم فإن قيل فمعصيتهم السابقة سبب لهلاكهم فما الفائدة في قوله: ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾ وقد تقدم الفسق منهم قبل المعصية السابقة وإن كانت سببها للهلاك لكن يجوز تخلف الهلاك عنها ولا يتحتم كما هو عادة الرب تعالى المعلومة في خلقه أنه لا يتحتم هلاكهم بمعاصيهم فإذا أراد إهلاكهم ولا بد أحدث سببا آخر يتحتم معه الهلاك ألا ترى أن ثمود ألم يهلكهم بكفرهم السابق حتى أخرج لهم الناقة فعقروها فأهلكوا حينئذ وقوم فرعون لم يهلكهم بكفرهم السابق بموسى حتى أراهم الآيات المتتابعات واستحكم بغيهم وعنادهم فحينئذ أهلكوا وكذلك قوم لوط لما أراد هلاكهم أرسل الملائكة إلى لوط في صورة الأضياف فقصدوهم بالفاحشة ونالوا من لوط وتواعدوه وكذلك سائر الأمم إذا أراد الله هلاكهم أحدث لها بغيا وعدوانا يأخذها على أثره وهذه عادته مع عباده عموما وخصوصا فيعصيه العبد وهو يحلم عنه ولا يعاجله حتى إذا أراد أخذه قيض له عملا يأخذه به مضافا إلى أعماله الأولى فيظن الظان أنه أخذه بذلك العمل وحده وليس كذلك بل حق عليه القول بذلك وكان قبل ذلك
1 / 48