مقدمة
...
شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.
الإمام ابن قيم الجوزية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي الإفضال والإنعام، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والأئمة الأعلام أما بعد فإن أهم ما يجب معرفته على المكلف النبيل فضلا عن الفاضل الجليل، ما ورد في القضاء والقدر والحكمة والتعليل، فهو من أسنى المقاصد والإيمان به قطب رحى التوحيد ونظامه، ومبدأ الدين المبين وختامه، فهو أحد أركان الإيمان، وقاعدة أساس الإحسان، التي يرجع إليها، ويدور في جميع تصاريفه عليها، فالعدل قوام الملك، والحكمة مظهر الحمد، والتوحيد متضمن لنهاية الحكمة، وكمال النعمة، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فبالقدر والحكمة ظهر خلقه وشرعه المبين،: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ .
فصل: وقد سلك جماهير العقلاء في هذا الباب في كل واد، وأخذوا في كل طريق، وتولجوا كل مضيق، وركبوا كل صعب وذلول، وقصدوا الوصول إلى معرفته، والوقوف على حقيقته، وتكلمت فيه الأمم قديما وحديثا، وساروا للوصول إلى مغزاه سيرا حثيثا، وخاضت فيه الفرق على تباينها واختلافها، وصنف فيه المصنفون الكتب على تنوع أصنافها، فلا أحد إلا وهو يحدث نفسه بهذا الشأن، ويطلب الوصول فيه إلى حقيقة العرفان، فتراه إما مترددا فيه مع نفسه، أو مناظرا لبني جنسه، وكل قد اختار لنفسه قولا لا يعتقد الصواب في سواه، ولا يرتضي إلا إياه، وكلهم إلا من تمسك بالوحي عن طريق الصواب مردود، وباب الهدى في وجهه مسدود، تحسى علما غير طائل، وارتوى من ماء آجن، قد طاف على أبواب الأفكار، ففاز بأخس الآراء والمطالب، فرح بما عنده من العلم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وقدم آراء من أحسن به الظن على الوحي المنزل المشروع، والنص المرفوع، حيران يأتم بكل حيران، يحسب كل شراب ماء فهو طول عمره ظمآن،
1 / 2
ينادى إلى الصواب من مكان بعيد، أقبل إلى الهدى فلا يستجيب إلى يوم الوعيد، قد فرح بما عنده من الضلال، وقنع بأنواع الباطل وأصناف المحال، منعه الكفر الذي اعتقده هدى وما هو ببالغه عن الهداة المهتدين، ولسان حاله أو قاله يقول: ﴿أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ .
فصل: ولما كان الكلام في هذا الباب نفيا وإثباتا موقوفا على الخبر عن أسماء الله وصفاته وأفعاله وخلقه وأمره وأسعد الناس بالصواب فيه من تلقى ذلك من مشكاة الوحي المبين ورغب بعقله وفطرته وإيمانه عن آراء المتهوكين وتشكيكات المشككين وتكلفات المتنطعين واستمطر ديم الهداية من كلمات أعلم الخلق برب العالمين فإن كلماته الجوامع النوافع في هذا الباب وفي غيره كفت وشفت وجمعت وفرقت وأوضحت وبينت وحلت محل التفسير والبيان لما تضمنه القرآن ثم تلاه أصحابه من بعده على نهجه المستقيم وطريقه القويم فجاءت كلماتهم كافية شافية مختصرة نافعة لقرب العهد ومباشرة التلقي من تلك المشكاة التي هي مظهر كل نور ومنبع كل خير وأساس كل هدى ثم سلك آثارهم التابعون لهم بإحسان فاقتفوا طريقهم وركبوا مناهجهم واهتدوا بهداهم ودعوا إلى ما دعوا إليه ومضوا على ما كانوا عليه ثم نبغ في عهدهم وأواخر عهد الصحابة القدرية مجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر وأن الأمر أنف فمن شاء هدى نفسه ومن شاء أضلها ومن شاء بخسها حظها وأهملها ومن شاء وفقها للخير وكملها كل ذلك مردود إلى مشيئة العبد ومقتطع من مشيئة العزيز الحميد فأثبتوا في ملكه مالا يشاء وفي مشيئته ما لا يكون ثم جاء خلف هذا السلف فقرروا ما أسسه أولئك من نفي القدر وسموه عدلا وزادوا عليه نفي صفاته سبحانه وحقائق أسمائه وسموه توحيدا فالعدل عندهم إخراج أفعال الملائكة والإنس والجن وحركاتهم وأقوالهم وإراداتهم من قدرته ومشيئته وخلقه والتوحيد عند متأخريهم تعطيله عن صفات كماله ونعوت جلاله وأنه لا سمع له ولا بصر ولا قدرة ولا حياة ولا إرادة تقوم به ولا كلام ما تكلم ولا يتكلم ولا أمر ولا يأمر ولا قال ولا يقول إن ذلك إلا أصوات وحروف مخلوقة منه في الهواء أو في محل مخلوق ولا استوى على عرشه فوق سماواته ولا ترفع إليه الأيدي ولا تعرج الملائكة والروح إليه ولا ينزل الأمر والوحي من عنده وليس فوق العرش إله يعبد ولا رب يصلى له ويسجد ما فوقه إلا العدم المحض والنفي الصرف فهذا توحيدهم وذاك عدلهم.
فصل: ثم نبغت طائفة أخرى من القدرية فنفت فعل العبد وقدرته واختياره وزعمت أن حركته الاختيارية ولا اختيار كحركة الأشجار عند هبوب الرياح وكحركات الأمواج وإنه على الطاعة والمعصية مجبور وإنه غير ميسر لما خلق له بل هو عليه مقسور ومجبور ثم تلاهم أتباعهم على آثارهم مقتدين ولمناهجهم مقتفين فقرروا هذا المذهب وانتموا إليه وحققوه وزادوا عليه أن تكاليف الرب تعالى لعباده كلها تكليف ما لا يطاق وإنها في الحقيقة كتكليف المقعد أن يرقى إلى السبع الطباق فالتكليف بالإيمان وشرائعه تكليف بما ليس من فعل العبد ولا هو له بمقدور وإنما هو تكليف بفعل من هو متفرد بالخلق وهو على كل شيء قدير فكلف عباده بأفعاله وليسوا عليها قادرين ثم عاقبهم عليها وليسوا في الحقيقة لها فاعلين ثم تلاهم على آثارهم محققوهم من العباد فقالوا ليس في الكون
1 / 3
معصية البتة إذ الفاعل مطيع للإرادة موافق للمراد كما قيل:
أصبحت منفعلا لما يختاره ... منى ففعلي كله طاعات
ولاموا بعض هؤلاء على فعله فقال إن كنت عصيت أمره فقد أطعت إرادته ومطيع الإرادة غير ملوم وهو في الحقيقة غير مذموم وقرر محققوهم من المتكلمين هذا المذهب بأن الإرادة والمشيئة والمحبة في حق الرب سبحانه هي واحد فمحبته هي نفس مشيئته وكل ما في الكون فقد أراده وشاءه وكل ما شاءه فقد أحبه وأخبرني شيخ الإسلام قدس الله روحه أنه لام بعض هذه الطائفة على محبة ما يبغضه الله ورسوله فقال له الملوم المحبة نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب وجميع ما في الكون مراده فأي شيء أبغض منه قال الشيخ فقلت له إذا كان قد سخط على أقوام ولعنهم وغضب عليهم وذمهم فواليتهم أنت وأحببتهم وأحببت أفعالهم ورضيتها تكون مواليا له أو معاديا قال فبهت الجبري ولم ينطق بكلمة وزعمت هذه الفرقة أنهم بذلك للسنة ناصرون وللقدر مثبتون ولأقوال أهل البدع مبطلون هذا وقد طووا بساط التكليف وطففوا في الميزان غاية التطفيف وحملوا ذنوبهم على الأقدار وبرأوا أنفسهم في الحقيقة من فعل الذنوب والأوزار وقالوا أنها في الحقيقة فعل الخلاق العليم وإذا سمع المنزه لربه هذا قال: ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ فالشر ليس إليك والخير كله في يديك ولقد ظنت هذه الطائفة بالله أسوأ الظن ونسبته إلى أقبح الظلم وقالوا أن أوامر الرب ونواهيه كتكليف العبد أن يرقى فوق السماوات وكتكليف الميت إحياء الأموات والله يعذب عباده أشد العذاب على فعل ما لا يقدرون يقدرون على تركه وعلى ترك مالا يقدرون على فعله بل يعاقبهم على نفس فعله الذي هو لهم غير مقدور وليس أحد ميسر له بل هو عليه مقهور ونرى العارف منهم ينشد مترنما ومن ربه متشكيا ومتظلما:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء
وليس عند القوم في نفس الأمر سبب ولا غاية ولا حكمة ولا قوة في الأجسام ولا طبيعة ولا غريزة فليس في الماء قوة التبريد ولا في النار قوة التسخين ولا في الأغذية قوة الغذاء ولا في الأدوية قوة الدواء ولا في العين قوة الإبصار ولا في الأذن قوة السماع ولا في الأنف قوة الشم ولا في الحيوان قوة فاعلة ولا جاذبة ولا ممسكة ولا دافعة والرب تعالى لم يفعل شيئا بشيء ولا شيئا لشيء فليس في أفعاله باء تسبب ولا لام تعليل وما ورد من ذلك فمحمول على باء المصاحبة ولام العاقبة وزادوا على ذلك أن الأفعال لا تنقسم في نفسها إلى حسن وقبيح ولا فرق في نفس الأمر بين الصدق والكذب والبر والفجور والعدل والظلم والسجود للرحمن والسجود للشيطان والإحسان إلى الخلق والإساءة إليهم ومسبة الخالق والثناء عليه وإنما نعلم الحسن من ذلك من القبيح بمجرد الأمر والنهي ولذلك يجوز النهي عن كل ما أمر به والأمر بكل ما نهى عنه ولو فعل ذلك لكان هذا قبيحا وهذا حسنا وزاد بعض محققيهم على هذا أن الأجسام كلها متماثلة فلا فرق في الحقيقة بين جسم النار وجسم الماء ولا بين جسم الذهب وجسم الخشب ولا بين المسك والرجيع وإنما تفترق بصفاتها وأعراضها مع تماثلها في الحد والحقيقة وزادوا على ذلك بأن قالوا الأعراض كلها لا تبقى زمانين ولا تستقر وقتين فإذا جمعت بين قولهم بعدم بقاء الأعراض وقولهم بتماثل الأجسام وتساوي الأفعال وأن العبد لا فعل له البتة وأنه لا سبب في
1 / 4
الوجود ولا قوة ولا غريزة ولا طبيعة وقولهم أن الرب تعالى ليس له فعل يقوم به وفعله غير مفعوله وقولهم أنه ليس بمباين لخلقه ولا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلا به ولا منفصلا عنه وقولهم أنه لا يتكلم ولا يكلم ولا قال ولا يقول ولا سمع أحد خطابه ولا يسمعه ولا يراه المؤمنون يوم القيامة جهرة بأبصارهم من فوقهم أنتجت لك هذه الأصول عقلا يعارض السمع ويناقض الوحي وقد أوصاك الأشياخ عند التعارض بتقديم هذا المعقول على ما جاء به الرسول
فلو أني بليت بهاشمي ... ؤلته بنو عبد المدان
لهان عليّ ما ألقى ولكن ... عالوا فانظروا بمن ابتلاني
فصل: ولما كانت معرفة الصواب في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل واقعة في مرتبة الحاجة بل في مرتبة الضرورة اجتهدت في جمع هذا الكتاب وتهذيبه وتحريره وتقريبه فجاء فردا في معناه بديعا في مغزاه وسميته شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل وجعلته أبوابا:
الباب الأول: في تقدير المقادير قبل خلق السماوات والأرض.
الباب الثاني: في تقدير الرب تعالى شقاوة العباد وسعادتهم وأرزاقهم وآجالهم قبل خلقهم وهو تقدير ثان بعد الأول.
الباب الثالث: في ذكر احتجاج آدم وموسى في ذلك وحكم النبي ﷺ لآدم.
الباب الرابع: في ذكر التقدير الثالث والجنين في بطن أمه.
الباب الخامس: في التقدير الرابع ليلة القدر.
الباب السادس: في ذكر التقدير الخامس اليومي.
الباب السابع: في أن سبق المقادير بالسعادة والشقاوة لا يقتضي ترك الأعمال بل يوجب الاجتهاد والحرص لأنه تقدير بالأسباب.
الباب الثامن: في قوله تعالى أن الذين سبقت لهم منا الحسنى.
الباب التاسع: في قوله إنا كل شيء خلقناه بقدر.
الباب العاشر: في مراتب القضاء والقدر التي من استكمل معرفتها والإيمان بها فقد آمن بالقدر وذكر المرتبة الأولى.
الباب الحادي عشر: في ذكر المرتبة الثانية من مراتب القضاء والقدر وهي مرتبة الكتابة الباب الثاني عشر في ذكر المرتبة الثالثة وهي مرتبة المشيئة.
الباب الثالث عشر: في ذكر المرتبة الرابعة وهي مرتبة خلق الأعمال.
الباب الرابع عشر: في الهدي والضلال ومراتبهما.
الباب الخامس عشر: في الطبع والختم والقفل والغل والسد والغشاوة ونحوها وأنه مفعول الرب.
الباب السادس عشر: في تفرد الرب بالخلق للذات والصفات والأفعال.
الباب السابع عشر: في الكتب والجبر ومعناهما لغة واصطلاحا وإطلاقهما نفيا وإثباتا.
الباب الثامن عشر: في فعل وافعل في القضاء والقدر وذكر الفعل والانفعال.
الباب التاسع عشر: في ذكر مناظرة بين جبري وسني.
الباب العشرون: في مناظرة بين قدري وسني.
الباب الحادي والعشرون: في تنزيه القضاء الإلهي عن الشر ودخوله في المقضي.
الباب الثاني والعشرون: في طرق إثبات حكمة الرب تعالى في خلقه وأمره واثبات الغايات المطلوبة والعواقب الحميدة التي فعل وأمر لأجلها وهو من أجل أبواب الكتاب.
الباب الثالث والعشرون: في استيفاء شبه نفاة الحكمة وذكر الأجوبة المفصلة عنها.
الباب الرابع والعشرون: في معنى قول السلف في الإيمان بالقدر خيره وشره وحلوه ومره.
الباب الخامس والعشرون: في بيان بطلان قول من قال إن الرب تعالى مريد للشر وفاعل له وامتناع إطلاق ذلك نفيا وإثباتا.
الباب السادس والعشرون: فيما دل عليه قوله ﷺ: "أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ
1 / 5
بعفوك من عقوبتك وأعوذ بك منك" من تحقيق القدر وإثباته وأسرار هذا الدعاء.
الباب السابع والعشرون: في دخول الإيمان بالقضاء والقدر والعدل والتوحيد تحت قوله: "ماض في حكمك عدل في قضاؤك" وما تضمنه الحديث من قواعد الدين.
الباب الثامن والعشرون: في أحكام الرضا بالقضاء واختلاف الناس في ذلك وتحقيق القول فيه.
الباب التاسع والعشرون: في انقسام القضاء والقدر والإرادة والكتابة والحكم والأمر والإذن والجعل والكلمات والبعث والإرسال والتحريم والعطاء والمنع إلى كوني يتعلق بخلقه وديني يتعلق بأمره وما في تحقيق ذلك من إزالة اللبس والإشكال.
الباب الموفي ثلاثين: في الفطرة الأولى التي فطر الله عباده عليها وبيان أنها لا تنافي القضاء والعدل بل توافقه وتجامعه، وهذا حين الشروع في المقصود فما كان فيه من صواب فمن الله وحده هو المان به وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان والله بريء منه ورسوله.
فيا أيها المتأمل له الواقف عليه لك غنمه، وعلى مؤلفه غرمه، ولك فائدته، وعليه عائدته، فلا تعجل بإنكار ما لم يتقدم لك أسباب معرفته ولا يحملنك شنآن مؤلفه وأصحابه على أن تحرم ما فيه من الفوائد التي لعلك لا تظفر بها في كتاب ولعل أكثر من تعظمه ماتوا بحسرتها ولم يصلوا إلى معرفتها والله يقسم فضله بين خلقه بعلمه وحكمته وهو العليم الحكيم والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
الباب الأول: في تقدير المقادير قبل خلق السموات والأرض عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء" رواه مسلم في الصحيح وفيه دليل على أن خلق العرش سابق على خلق القلم وهذا أصح القولين لما روى أبو داود في سننه عن أبي حفصة الشامي قال عبادة بن الصامت لإبنه: "يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يك ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك" سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال رب وماذا أكتب قال أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة" يا بني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من مات على غير هذا فليس مني" وكتابة القلم للقدر كان في الساعة التي خلق فيها لما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبادة بن الصامت قال: حدثني أبي قال دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي فقال: أجلسوني فلما أجلسوه قال: يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان ولن تبلغ حق حقيقة العلم بالله ﵎ حتى تؤمن بالقدر خيره وشره قلت يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره قال تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك يا بني إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن أول ما خلق الله تعالى القلم ثم قال أكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة: يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار، وهذا الذي كتبه القلم هو القدر لما رواه ابن وهب أخبرني عمر بن محمد أن سليمان بن مهران حدثه قال قال عبادة بن الصامت ادع لي ابني وهو يموت لعلي أخبره بما سمعت من رسول الله ﷺ يقول: "إن أول شيء خلقه الله من حلقه القلم فقال له: أكتب فقال: يا رب ماذا أكتب قال: القدر قال رسول الله
الباب الأول: في تقدير المقادير قبل خلق السموات والأرض عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء" رواه مسلم في الصحيح وفيه دليل على أن خلق العرش سابق على خلق القلم وهذا أصح القولين لما روى أبو داود في سننه عن أبي حفصة الشامي قال عبادة بن الصامت لإبنه: "يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يك ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك" سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال رب وماذا أكتب قال أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة" يا بني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من مات على غير هذا فليس مني" وكتابة القلم للقدر كان في الساعة التي خلق فيها لما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبادة بن الصامت قال: حدثني أبي قال دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي فقال: أجلسوني فلما أجلسوه قال: يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان ولن تبلغ حق حقيقة العلم بالله ﵎ حتى تؤمن بالقدر خيره وشره قلت يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره قال تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك يا بني إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن أول ما خلق الله تعالى القلم ثم قال أكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة: يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار، وهذا الذي كتبه القلم هو القدر لما رواه ابن وهب أخبرني عمر بن محمد أن سليمان بن مهران حدثه قال قال عبادة بن الصامت ادع لي ابني وهو يموت لعلي أخبره بما سمعت من رسول الله ﷺ يقول: "إن أول شيء خلقه الله من حلقه القلم فقال له: أكتب فقال: يا رب ماذا أكتب قال: القدر قال رسول الله
1 / 6
ﷺ فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار" وعن عبد الله بن عباس قال: كنت خلف النبي ﷺ يوما فقال لي: "يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فسل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وعن أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء فسكت عني ثم قلت مثل ذلك فسكت عني ثم قلت مثل ذلك فسكت عني ثم قلت مثل ذلك فقال النبي ﷺ يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو ذر" رواه البخاري في صحيحه قال حدثنا أصبغ ثنا ابن وهب عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ورواه ابن وهب في كتاب القدر وقال فيه: "فأذن لي أن أختصي قال فسكت عنى حتى قلت ذلك ثلاث مرات فقال جف القلم بما أنت لاق" وقال أبو داود الطيالسي ثنا عبد المؤمن هو ابن عبد الله قال كنا عند الحسن فأتاه يزيد بن أبي مريم السلولي يتوكأ على عصا فقال يا أبا سعيد أخبرني عن قول الله ﷿: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ فقال الحسن: نعم والله إن الله ليقضي القضية في السماء ثم يضرب لها أجلا أنه كائن في يوم كذا وكذا في ساعة كذا وكذا في الخاصة والعامة حتى إن الرجل ليأخذ العصا ما يأخذها إلا بقضاء وقدر قال: يا أبا سعيد والله لقد أخذتها وإني عنها لغني ثم لا صبر لي عنها قال الحسن: أولا ترى، واختلف في الضمير قوله من قبل أن نبرأها فقيل هو عائد على الأنفس لقربها منه وقيل هو عائد على الأرض وقيل عائد على المصيبة والتحقيق أن يقال هو عائد على البرية التي تعم هذا كله ودل عليه السياق وقوله نبرأها فينتظم التقادير الثلاثة انتظاما واحدا والله أعلم، وقال ابن وهب أخبرني عمر بن محمد أن سليمان بن مهران حدثه قال قال عبد الله بن مسعود: "إن أول شيء خلقه الله ﷿ من خلقه القلم فقال له اكتب فكتب كل شيء يكون في الدنيا إلى يوم القيامة فيجمع بين الكتاب الأول وبين أعمال العباد فلا يخالف ألفا ولا واوا وميما" وعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن الله ﷿ خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور شيء اهتدى ومن أخطأه ضل" قال عبد الله: فلذلك أقول جف القلم بما هو كائن رواه الإمام أحمد وقال أبو داود حدثنا عباس بن الوليد بن مزيد قال أخبرني أبي قال سمعت الأوزاعي قال حدثني ربيعة بن يزيد ويحيى بن أبي عمرو الشيباني قال حدثني عبد الله بن فيروز الديلمي قال: دخلت على عبد الله بن عمرو ابن العاص وهو في حائط له بالطائف يقال له الوهط فقلت خصال بلغتني عنك تحدث بها عن رسول الله ﷺ أنه قال: "من شرب الخمر لم تقبل توبته أربعين صباحا وأن الشقي من شقي في بطن أمه" وقال سمعت رسول الله ﷺ يقول: "أن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور يومئذ اهتدى ومن أخطأه ضل" فلذلك أقول جف القلم على علم الله ورواه الإمام أحمد في مسنده أطول من هذا عن عبد الله بن فيروز الديلمي قال: دخلت على عبد الله بن عمرو وهو في حائط له بالطائف يقال له الوهط وهو محاضر فتى من قريش يزن بشرب الخمر
1 / 7
فقلت: بلغني عنك حديث: "أن من شرب شربة خمر لم تقبل توبته أربعين صباحا وأن الشقي من شقي في بطن أمه وأن من أتى بيت المقدس لا ينهزه إلا الصلاة فيه خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه" فلما سمع الفتى ذكر الخمر اجتذب يده من يده ثم انطلق فقال عبد الله بن عمرو أني لا أحل لأحد أن يقول علي ما لم أقل سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: "من شرب من الخمر شربة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال: فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة" قال وسمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: "أن الله ﷿ خلق خلقه في ظلمه ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره يومئذ اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله" وسمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: "إن سليمان بن داود سأل الله ﷿ ثلاثا فأعطاه اثنتين ونحن نرجوا أن تكون لنا الثالثة سأل الله تعالى حكما يصادف حكمه فأعطاه الله إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه فنحن نرجوا أن يكون الله تعالى ﷿ قد أعطانا إياه" ورواه الحاكم في صحيحه وهو على شرط الشيخين ولا علة له.
الباب الثاني: في تقدير الرب ﵎ شقاوة العباد وسعادتهم وأرزاقهم وآجالهم وأعمالهم قبل خلقهم وهو تقدير ثان بعد التقدير الأول عن علي بن أبي طالب ﵁ قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتى رسول الله ﷺ فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكث بمخصرته ثم قال: "ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة قال: فقال رجل: يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل فقال من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ "، وفي لفظ اعملوا فكل ميسر أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾، وعن عمران بن حصين قال: "قيل يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار فقال: نعم قيل ففيم يعمل العاملون قال كل ميسر لما خلق له" متفق عليه وفي بعض طرق البخاري كل يعمل لما خلق له أو لما يسر له، وعن أبي الأسود الدؤلي قال: قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون
الباب الثاني: في تقدير الرب ﵎ شقاوة العباد وسعادتهم وأرزاقهم وآجالهم وأعمالهم قبل خلقهم وهو تقدير ثان بعد التقدير الأول عن علي بن أبي طالب ﵁ قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتى رسول الله ﷺ فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكث بمخصرته ثم قال: "ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة قال: فقال رجل: يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل فقال من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ "، وفي لفظ اعملوا فكل ميسر أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾، وعن عمران بن حصين قال: "قيل يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار فقال: نعم قيل ففيم يعمل العاملون قال كل ميسر لما خلق له" متفق عليه وفي بعض طرق البخاري كل يعمل لما خلق له أو لما يسر له، وعن أبي الأسود الدؤلي قال: قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون
1 / 8
فيه أشيء قضى عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم فقلت بل شيء قضى عليهم ومضى عليهم قال فقال أفلا يكون ظلما قال ففزعت من ذلك فزعا شديدا وقلت كل شيء خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون قال فقال لي يرحمك الله إني لم أرد بما سألتك إلا لأحزر عقلك إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله ﷺ فقالا: يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم فقال: "بل شيء قضى عليهم ومضى فيهم" وتصديق ذلك في كتاب الله ﷿: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾، رواه مسلم في صحيحه، وعن شغي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو قال خرج علينا رسول الله ﷺ وفي يده كتابان فقال: "أتدرون ما هذان الكتابان قال قلنا لا ألا أن تخبرنا يا رسول الله قال للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين ﵎ بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل عليهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص أبدا ثم قال للذي في يساره هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا فقال أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فلأي شيء نعمل إن كان هذا أمر قد فرغ منه قال رسول الله ﷺ: "سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل الجنة وإن عمل أي عمل وإن صاحب النار يختم له بعمل النار وإن عمل أي عمل ثم قال: بيده فقبضها ثم قال: فرغ ربكم ﷿ من العباد ثم قال: باليمنى فنبذ بها فقال: فريق في الجنة ونبذ باليسرى فقال: فريق في السعير" رواه الترمذي عن قتيبة عن ليث أبي قبيل عن شغى وعن قتيبة عن بكر بن نصر عن أبي قبيل به وقال حديث حسن صحيح غريب ورواه النسائي والإمام أحمد وهذا السياق له، وفي صحيح الحاكم وغيره من حديث أبي جعفر الرازي ثنا الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ قال جمعهم له يومئذ جمعا ما هو كائن إلى يوم القيامة فجعلهم أزواجا ثم صورهم واستنطقهم فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ إلى قوله المبطلون قال فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم أو تقولوا إنا كنا عن هذا غافلين فلا تشركوا بي شيئا فإني أرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي فقالوا نشهد أنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ورفع لهم أبوهم آدم فرأى فيهم الغني والفقير وحسن الصورة وغير ذلك فقال رب لو سويت بين عبادك فقال إني أحب أن أشكر ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج وذكر تمام الحديث وفي صحيحه وجامع الترمذي من حديث هشام بن يزيد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة أمثال الذر ثم جعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال من هؤلاء يا رب فقال هؤلاء ذريتك فرأى فيهم رجلا أعجبه وبيص ما بين عينيه فقال يا رب من هذا قال ابنك داود يكون في آخر الأمم قال كم جعلت له من العمر قال ستين سنة قال يا رب زده من عمري أربعين سنة قال الله: إذا يكتب ويختم لا يبدل فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت قال أولم يبق من عمري أربعون سنة قال له أولم تجعلها لابنك داود قال: فجحد فجحدت ذريته ونسي فنسيت ذريته وخطئ فخطئت ذريته" قال هذا على شرط مسلم وفي موطأ مالك عن زيد بن أبي أنيسة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم﴾ فقال عمر سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سئل عنها فقال: "إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره
1 / 9
بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل فقال: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله النار"، قال الحاكم هذا الحديث على شرط مسلم وليس كما قاله بل هو حديث منقطع قال أبو عمر: هو حديث منقطع فإن مسلم بن يسار هذا لم يلق عمر بن الخطاب بينهما نعيم بن ربيعة هذا إن صح أن الذي رواه عن زيد بن أبي أنيسة فذكر فيه نعيم بن ربيعة إذ ليس هو بأحفظ من مالك ولا ممن يحتج به إذا خالفه مالك ومع ذلك فإن نعيم بن ربيعة ومسلم بن يسار جميعا مجهولان غير معروفين بحمل العلم ونقل الحديث وليس هو مسلم بن يسار العابد البصري وإنما هو رجل مدني مجهول ثم ذكر من تاريخ ابن أبي خيثمة قال: قرأت على يحي بن معين حدث مالك هذا فكتب بيده على مسلم بن يسار لا يعرف، قال أبو عمر: هذا الحديث وإن كان عليل الإسناد فإن معناه عن النبي ﷺ قد روي من وجوه كثيرة من حديث عمر بن الخطاب وغيره وممن روى عن النبي ﷺ معناه في القدر علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وأبو سريحة العبادي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص وذو اللحية الكلابي وعمران بن حصين وعائشة وأنس بن مالك وسراقة بن جعثم وأبو موسى الأشعري وعبادة بن الصامت قلت وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وحذيفة بن أسيد وأبو ذر ومعاذ بن جبل وهشام بن حكيم وأبو عبد الله رجل من الصحابة روى عنه أبو نصر وعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وأبو الدرداء وعمرو بن العاص وعائشة أم المؤمنين وعبد الله بن الزبير وأبو أمامة الباهلي وأبو الطفيل وعبد الرحمن بن عوف وبعض أحاديثهم موقوفة وستمر بك جميعا متفرقة في أبواب الكتاب إن شاء الله ﷿، وقال إسحاق بن راهوية أخبرنا بقية بن الوليد قال أخبرني الزبيدي محمد بن الوليد عن راشد بن سعد عن عبد الرحمن بن أبي قتادة عن أبيه عن هشام بن حكيم بن حزام أن رجلا قال: يا رسول الله أتبتدأ الأعمال أم قد مضى القضاء فقال إن الله لما أخرج ذرية آدم من ظهره أشهدهم على أنفسهم ثم أفاض بهم في كفيه فقال هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار قال إسحاق وأخبرنا عبد الصمد حدثنا حماد حدثنا الحريري عن أبي نصرة أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقال له أبو عبد الله دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي فقالوا له ما يبكي قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: "إن الله قبض قبضة بيمينه وأخرى بيده الأخرى قال هذه لهذه وهذه لهذه ولا أبالي فلا أدري في أي القبضتين أنا"، أخبرنا عمرو بن محمد بن إسماعيل بن رافع عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "إن الله تعالى خلق آدم من تراب ثم جعله طينا ثم تركه حتى إذا كان صلصالا كالفخار كان إبليس يمر به فيقول خلقت لأمر عظيم ثم نفخ الله فيه من روحه قال يا رب ما ذريتي قال اختر يا آدم قال اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين فبسط الله كفه فإذا كل من هو كائن من ذريته في كف الرحمن"، أخبرنا النضر أخبرنا أبو معشر عن أبي سعيد المقبري ونافع مولى الزبير عن أبي هريرة قال: لما أراد الله
1 / 10
أن يخلق آدم فذكر خلق آدم فقال له يا آدم أي يدي أحب إليك أن أريك ذريتك فيها قال يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين فبسط يمينه وإذا فيها ذريته كلهم ما هو خالق إلى يوم القيامة الصحيح على هيئته والمبتلى على هيئته والأنبياء على هيئاتهم فقال ألا أعفيهم كلهم فقال أني أحببت أن أشكر وذكر الحديث، وقال محمد بن نصر المروزي حدثنا محمد بن يحيى ثنا سعيد بن أبي مريم أنا الليث بن سعد حدثني ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن عبد الله بن سلام قال: "خلق الله آدم ثم قال بيده فقبضها فقال اختر يا آدم فقال اخترت يمين ربي وكلتا يديك يمين فبسطها فإذا فيها ذريته فقال من هؤلاء يا رب قال من قضيت أن أخلق من ذريتك من أهل الجنة إلى أن تقوم الساعة"، قال وثنا إسحاق بن راهوية أنا جعفر بن عون أنا هشام بن سعد عن زيد بن سالم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وذكر الحديث، وقال إسحاق بن الملاي ثنا المسعودي عن علي بن نديمة عن سعد عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم﴾ قال: إن الله أخذ على آدم ميثاقه أنه ربه وكتب رزقه وأجله ومصيباته ثم أخرج من ظهره ولده كهيئة الذر فأخذ عليهم الميثاق أنه ربهم وكتب رزقهم وأجلهم ومصيباتهم قال وحدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس قال مسح الله ظهر آدم فأخرج كل طيب في يمينه وفي يده الأخرى كل خبيث وقال محمد بن نصر حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني وثنا حجاج عن أبن جريج عن الزبير بن موسى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "إن الله ضرب منكبه الأيمن فخرجت كل نفس مخلوقة للجنة بيضاء نقية فقال هؤلاء أهل الجنة ثم ضرب منكبه الأيسر فخرجت كل نفس مخلوقة للنار سوداء فقال هؤلاء أهل النار ثم أخذ عهده على الإيمان والمعرفة به والتصديق له وبأمره من بني آدم كلهم وأشهدهم على أنفسهم فآمنوا وصدقوا وعرفوا وأقروا"، حدثنا إسحاق ثنا روح بن عبادة بن محمد بن عبد الملك عن أبيه عن الزبير بن موسى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بهذا الحديث وزاد قال ابن جريج وبلغني أنه أخرجهم على كفه أمثال الخردل قال إسحاق وأخبرنا جرير عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ﴾ قال أخذهم كما يؤخذ بالمشط وفي تفسير أسباط عن السدي عن أصحابه أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود عن أناس من أصحاب النبي ﷺ في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ﴾ الآية قال: لما أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يهبط من السماء مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فأخرج منه ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذر فقال لهم ادخلوا الجنة برحمتي ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر فقال أدخلوا النار ولا أبالي فذلك حين يقول أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ثم أخذ منهم الميثاق فقال ألست بربكم قالوا بلى فأعطاه طائفة طائعين وطائفة كارهين على وجه التقية فقال هو والملائكة: ﴿شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ﴾ الآية فلذلك ليس أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن الله ربه ولا مشرك إلا وهو يقول:: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ فذلك قوله ﷿: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ وذلك حين يقول: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ وذلك حين يقول: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ
1 / 11
فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ قال يعني يوم أخذ الميثاق، وقال إسحاق حدثنا وكيع حدثنا مضر عن ابن سليط قال قال أبو بكر ﵁: "خلق الله الخلق قبضتين فقال لمن في يمينه ادخلوا الجنة بسلام وقال لمن في يده الأخرى ادخلوا النار ولا أبالي" وأخبرنا جرير بن الأعمش عن أبي ظبيان عن رجل من الأنصار من أصحاب محمد ﷺ قال: "لما خلق الله الخلق قبض قبضتين بيده فقال لمن في يمينه أنتم أصحاب اليمين وقال لمن في اليد الأخرى أنتم أصحاب الشمال فذهبت إلى يوم القيامة"، وقال عبد الله بن وهب في كتاب القدر أخبرني جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن أبي قلابة قال: "إن الله ﷿ لما خلق آدم أخرج ذريته ثم نشرهم في كفه ثم أفاضهم فألقى التي في يمينه عن يمينه والتي في يده الأخرى عن شماله ثم قال هؤلاء لهذه ولا أبالي وهؤلاء لهذه ولا أبالي وكتب أهل النار وما هم عاملون وأهل الجنة وما هم عاملون فطوى الكتاب ورفع القلم"، وقال أبو داود ثنا مسدد ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي صالح فذكره قال ابن وهب وأخبرني عمرو بن الحرث وحيوة ابن شريح عن ابن أبي أسيد هكذا قال عن أبي فراس حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: "إن الله ﷿ لما خلق آدم نفضه نفض المرود فأخرج من ظهره ذريته أمثال النغف فقبضهم قبضتين ثم ألقاهما ثم قبضهما فقال فريق في الجنة وفريق في السعير"، قال ابن وهب وأخبرني يونس بن يزيد عن الأوزاعي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "من كان يزعم أن مع الله قاضيا أو رازقا أو يملك لنفسه ضرا أو نفعا أو موتا أو حياة أو نشورا لقي الله فأدحض حجته وأحرق لسانه وجعل صلاته وصيامه هباء وقطع به الأسباب وأكبه الله على وجهه في النار وقال أن الله خلق الخلق فأخذ منهم الميثاق وكان عرشه على الماء"، وذكر أبو داود ثنا يحيى بن حبيب ثنا معتمر ثنا أبي عن أبي العالية في قوله ﷿: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ قال صاروا فريقين وقال لمن سود وجوههم وغيرهم أكفرتم بعد أيمانكم قال هو الإيمان الذي كان حيث كانوا أمة واحدة مسلمين قال أبو داود وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا أبو نعامة السعدي قال كنا عند أبي عثمان النهدي فحمدنا الله ﷿ فذكرناه ودعوناه فقلت لأنا بأول هذا الأمر أشد فرحا مني بآخره فقال أبو عثمان ثبتك الله كنا عند سلمان فحمدنا الله ﷿ وذكرناه ودعوناه فقلت لأنا بأول هذا الأمر أشد فرحا مني بآخره فقال سلمان: "ثبتك الله إن الله ﵎ لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج من ظهره ما هو ذارئ إلى يوم القيامة فخلق الذكر والأنثى والشقوة والسعادة والأرزاق والآجال والألوان ومن علم السعادة فعل الخير ومجالس الخير ومن علم الشقاوة فعل الشر ومجالس الشر" وقال أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "مسح ربك تعالى ظهر آدم فأخرج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة أخذ عهودهم ومواثيقهم" قال سعيد: فيرون أن القلم جف يومئذ، وقال الضحاك خرجوا كأمثال الذر ثم أعادهم فهذه وغيرها تدل على أن الله سبحانه قدر أعمال بني آدم وأرزاقهم وآجالهم وسعادتهم وشقاوتهم عقيب خلق أبيهم وأراهم لأبيهم آدم صورهم وأشكالهم وحلاهم وهذا والله أعلم أمثالهم وصورهم، وأما تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ﴾ الآية به ففيه ما فيه وحديث عمر لو صح لم يكن تفسيرا للآية وبيان
1 / 12
إن ذلك هو المراد بها فلا يدل الحديث عليه ولكن الآية دلت على أن هذا الآخذ من بني آدم لا من آدم وأنه من ظهورهم لا من ظهره وأنهم ذرياتهم أمة بعد أمة وأنه إشهاد تقوم به الحجة له سبحانه فلا يقول الكافر يوم القيامة كنت غافلا عن هذا ولا يقول الولد أشرك أبي وتبعته فإن ما فطرهم الله عليه من الإقرار بربوبيته وأنه ربهم وخالقهم وفاطرهم حجة عليهم ثم دل حديث عمر وغيره على أمر آخر لم تدل عليه الآية وهو القدر السابق والميثاق الأول وهو سبحانه لا يحتج عليهم بذلك وإنما يحتج عليهم برسله وهو الذي دلت عليه الآية فتضمنت الآية والأحاديث إثبات القدر والشرع وإقامة الحجة والإيمان بالقدر فأخبر النبي ﷺ لما سئل عنها بما يحتاج العبد إلى معرفته والإقرار به معها وبالله التوفيق.
الباب الثالث: في ذكر احتجاج آدم وموسى في ذلك حكم النبي ﷺ لآدم صلوات الله وسلامه عليهم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: "احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فقال النبي ﷺ فحج آدم موسى فحج آدم موسى فحج آدم موسى" وفي رواية "كتب لك التوراة بيده" وفي لفظ آخر: "تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى فقال له موسى أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة فقال آدم أنت موسى الذي أعطاه الله علم كل شيء واصطفاه على الناس برسالته قال نعم قال أفتلومني على أمر قدر على قبل أن أخلق"، وفي لفظ آخر: "احتج آدم وموسى عند ربهما فحج آدم موسى فقال موسى أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض قال آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين عاما قال آدم هل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى قال نعم قال أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله على أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة قال رسول الله ﷺ فحج آدم موسى"، وفي لفظ آخر: "احتج آدم وموسى فقال له موسى أنت الذي أخرجتنا خطيئتك من الجنة" وذكر الحديث متفق على صحته وهذا التقدير بعد التقدير الأول السابق بخلق السماوات بخمسين ألف سنة، وقد رد هذا الحديث من لم يفهمه من المعتزلة كأبي علي الجبائي ومن وافقه على ذلك وقال لو صح لبطلت نبوات الأنبياء فإن القدر إذا كان حجة للعاصي بطل الأمر والنهي فإن العاصي بترك الأمر أو فعل النهي إذا صحت له الحجة بالقدر السابق ارتفع اللوم عنه وهذا من ضلال فريق الاعتزال وجهلهم بالله ورسوله وسنته فإن هذا حديث صحيح متفق على صحته لم تزل الأمة تتلقاه بالقبول من عهد نبيها قرنا بعد قرن وتقابله بالتصديق والتسليم ورواه أهل الحديث في كتبهم وشهدوا به على رسول الله ﷺ أنه قاله وحكموا بصحته فما لأجهل الناس بالسنة ومن عرف بعداوتها وعداوة حملتها والشهادة عليهم بأنهم مجسمة ومشبهة حشوية وهذا الشأن ولم يزل أهل الكلام الباطل المذموم موكلين برد أحاديث رسول الله ﷺ
الباب الثالث: في ذكر احتجاج آدم وموسى في ذلك حكم النبي ﷺ لآدم صلوات الله وسلامه عليهم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: "احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فقال النبي ﷺ فحج آدم موسى فحج آدم موسى فحج آدم موسى" وفي رواية "كتب لك التوراة بيده" وفي لفظ آخر: "تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى فقال له موسى أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة فقال آدم أنت موسى الذي أعطاه الله علم كل شيء واصطفاه على الناس برسالته قال نعم قال أفتلومني على أمر قدر على قبل أن أخلق"، وفي لفظ آخر: "احتج آدم وموسى عند ربهما فحج آدم موسى فقال موسى أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض قال آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين عاما قال آدم هل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى قال نعم قال أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله على أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة قال رسول الله ﷺ فحج آدم موسى"، وفي لفظ آخر: "احتج آدم وموسى فقال له موسى أنت الذي أخرجتنا خطيئتك من الجنة" وذكر الحديث متفق على صحته وهذا التقدير بعد التقدير الأول السابق بخلق السماوات بخمسين ألف سنة، وقد رد هذا الحديث من لم يفهمه من المعتزلة كأبي علي الجبائي ومن وافقه على ذلك وقال لو صح لبطلت نبوات الأنبياء فإن القدر إذا كان حجة للعاصي بطل الأمر والنهي فإن العاصي بترك الأمر أو فعل النهي إذا صحت له الحجة بالقدر السابق ارتفع اللوم عنه وهذا من ضلال فريق الاعتزال وجهلهم بالله ورسوله وسنته فإن هذا حديث صحيح متفق على صحته لم تزل الأمة تتلقاه بالقبول من عهد نبيها قرنا بعد قرن وتقابله بالتصديق والتسليم ورواه أهل الحديث في كتبهم وشهدوا به على رسول الله ﷺ أنه قاله وحكموا بصحته فما لأجهل الناس بالسنة ومن عرف بعداوتها وعداوة حملتها والشهادة عليهم بأنهم مجسمة ومشبهة حشوية وهذا الشأن ولم يزل أهل الكلام الباطل المذموم موكلين برد أحاديث رسول الله ﷺ
1 / 13
التي تخالف قواعدهم الباطلة وعقائدهم الفاسدة كما ردوا أحاديث الرؤية وأحاديث علو الله على خلقه وأحاديث صفاته القائمة به وأحاديث الشفاعة وأحاديث نزوله إلى سمائه ونزوله إلى الأرض للفصل بين عباده وأحاديث تكلمه بالوحي كلاما يسمعه من شاء من خلقه حقيقة إلى أمثال ذلك وكما ردت الخوارج والمعتزلة أحاديث خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة وغيرها وكما ردت الرافضة أحاديث فضائل الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة وكما ردت المعطلة أحاديث الصفات والأفعال الاختيارية وكما ردت القدرية المجوسية أحاديث القضاء والقدر السابق وكل من أصل أصلا لم يؤصله الله ورسوله قاده قسرا إلى رد السنة وتحريفها عن مواضعها فلذلك لم يؤصل حزب الله ورسوله أصلا غير ما جاء به الرسول فهو أصلهم الذي عليه يعولون وجنتهم التي إليها يرجعون، ثم اختلف الناس في فهم هذا الحديث ووجه الحجة التي توجهت لآدم على موسى فقالت فرقة إنما حجه لأن آدم أبوه فحجه كما يحج الرجل ابنه وهذا الكلام لا محصل فيه البتة فإن حجة الله يجب المصير إليها مع الأب كانت أو الابن أو العبد أو السيد ولو حج الرجل أباه بحق وجب المصير إلى الحجة وقالت فرقة إنما حجه لأن الذنب كان في شريعة واللوم في شريعة وهذا من جنس ما قبله إذ لا تأثير لهذا في الحجة بوجه وهذه الأمة تلوم الأمم المخالفة لرسلها المتقدمة عليها وإن كان لم تجمعهم شريعة واحدة ويقبل الله شهادتهم عليهم وإن كانوا من غير أهل شريعتهم وقالت فرقة أخرى إنما حجه لأنه كان قد تاب من الذنب والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ولا يجوز لومه وهذا وإن كان أقرب مما قبله فلا يصح لثلاثة أوجه أحدها: أن آدم لم يذكر ذلك الوجه ولا جعله حجة على موسى ولم يقل أتلومني على ذنب قد تبت منه، الثاني: أن موسى أعرف بالله سبحانه وبأمره ودينه من أن يلوم على ذنب قد أخبره سبحانه أنه قد تاب على فاعله واجتباه بعده وهداه فإن هذا لا يجوز لآحاد المؤمنين أن يفعله فضلا عن كليم الرحمن، الثالث: أن هذا يستلزم إلغاء ما علق به النبي ﷺ وجه الحجة واعتبار ما ألغاه فلا يلتفت إليه وقالت فرقة أخرى إنما حجه لأنه لامه في غير دار التكليف ولو لامه في دار التكليف لكانت الحجة لموسى عليه وهذا أيضا فاسد من وجهين أحدهما: أن آدم لم يقل له لمتني في غير دار التكليف وإنما قال أتلومني على أمر قدر عليّ قبل أن أخلق فلم يتعرض للدار وإنما احتج في القدر السابق الثاني أن الله سبحانه يلوم الملومين من عباده في غير دار التكليف فيلومهم بعد الموت ويلومهم يوم القيامة وقالت فرقة أخرى إنما حجه لأن آدم شهد الحكم وجريانه على الخليقة وتفرد الرب سبحانه بربوبيته وإنه لا تحرك ذرة إلا بمشيئته وعلمه وأنه لا راد لقضائه وقدره وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن قالوا ومشاهدة العبد الحكم لا يدع له استقباح سيئة لأنه شهد نفسه عدما محضا والأحكام جارية عليه معروفة له وهو مقهور مربوب مدبر لا حيلة له ولا قوة له قالوا ومن شهد هذا المشهد سقط عنه اللوم وهذا المسلك أبطل مسلك سلك في هذا الحديث وهو شر من مسلك القدرية في رده وهم إنما ردوه إبطالا لهذا القول وردا على قائليه وأصابوا في ردهم عليهم وإبطال قولهم وأخطأوا في رد حديث رسول الله ﷺ فإن هذا المسلك لو صح لبطلت الديانات جملة وكان القدر حجة لكل مشرك وكافر وظالم ولم يبق للحدود معنى ولا يلام جان على جنايته ولا ظالم على ظلمه ولا ينكر منكر أبدا ولهذا قال شيخ الملحدين ابن سينا في إشارته العارف لا ينكر منكرا لاستبصاره بسر الله تعالى في القدر وهذا كلام
1 / 14
منسلخ من الملل ومتابعة الرسل وأعرف خلق الله به رسله وأنبياؤه وهم أعظم الناس إنكارا للمنكر وإنما أرسلوا لإنكار المنكر فالعارف أعظم الناس إنكارا للمنكر وإنما أرسلوا لإنكار المنكر فالعارف أعظم الناس إنكارا للمنكر لبصرته بالأمر والقدر فإن الأمر يوجب عليه الإنكار والقدر يعينه عليه وينفذه له فيقوم في مقام: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وفي مقام فاعبده وتوكل عليه فنعبده بأمره وقدره ونتوكل عليه في تنفيذ أمره بقدره فهذا حقيقة المعرفة وصاحب هذا المقام هو العارف بالله وعلى هذا أجمعت الرسل من أولهم إلى خاتمهم وأما من يقول:
أصبحت منفعلا لما يختاره منى ففعلي كله طاعات
ويقول أنا وإن عصيت أمره فقد أطعت إرادته ومشيئته ويقول العارف لا ينكر منكرا لاستبصاره بسر الله في القدر فخارج عما عليه الرسل قاطبة وليس هو من أتباعهم وإنما حكى الله سبحانه الاحتجاج في القدر عن المشركين أعداء الرسل فقال تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْء﴾ إلى قوله: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾ وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ فهذه أربع مواضع حكى فيها الاحتجاج بالقدر عن أعدائه وشيخهم وإمامهم في ذلك عدوه الأحقر إبليس حيث احتج عليه بقضائه فقال:: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ فإن قيل قد علم بالنصوص والمعقول صحة قولهم لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولو شاء الرحمن ما عبدناهم فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وقد قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ وقال: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ فكيف أكذبهم ونفى عنهم العلم وأثبت لهم الخرص فيما هم فيه صادقون وأهل السنة جميعا يقولون لو شاء الله ما أشرك به مشرك ولا كفر به كافر ولا عصاه أحد من خلقه فكيف ينكر عليهم ما هم فيه صادقون قيل أنكر سبحانه عليهم ما هم فيه أكذب الكاذبين وأفجر الفاجرين ولم ينكر عليهم صدقا ولا حقا بل أنكر عليهم أبطل الباطل فإنهم لم يذكروا ما ذكروه إثباتا لقدره وربوبيته ووحدانيته وافتقارا إليه وتوكلا عليه واستعانة به ولو قالوا كذلك لكانوا مصيبين وإنما قالوه معارضين به لشرعه ودافعين به لأمره فعارضوا شرعه وأمره ودفعوه بقضائه وقدره ووافقهم على ذلك كل من عارض الأمر ودفعه بالقدر وأيضا فإنهم احتجوا بمشيئتة العامة وقدره على محبته لما شاءه ورضاه به وإذنه فيه فجمعوا بين أنواع من الضلال معارضة الأمر بالقدر ودفعه به والإخبار عن الله أنه يحب ذلك منهم ويرضاه حيث شاءه وقضاه وأن لهم الحجة على الرسل بالقضاء والقدر وقد ورثهم في هذا الضلال وتبعهم عليه طوائف من الناس ممن يدعي التحقيق والمعرفة أو يدعي فيه ذلك وقالوا العارف إذا شاهد الحكم سقط عنه اللوم وقد وقع في كلام شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري ما يوهم ذلك وقد أعاذه الله منه فإنه قال في باب التوبة من منازل السائرين ولطائف التوبة ثلاثة أشياء، أولها: أن ننظر في الجناية والقضية فنعرف مراد الله فيها إذ خلاك وإتيانها فإن الله تعالى إنما يخلي العبد والذنب لأحد معنيين: أن يعرف عبرته في قضائه وبره في مسيره وحلمه في إمهال راكبه وكرمه في قبول العذر منه وفضله في مغفرته، والثاني: ليقيم على العبد حجة عدله فيعاقبه
1 / 15
على ذنبه بحجته، واللطيفة الثانية: أن يعلم أن طلب البصير الصادق سنته لم تبق له حسنه بحال لأنه يسير بين مشاهدة المنة ويطلب عيب النفس والعمل، واللطيفة الثالثة: أن مشاهدة العبد الحكم لم يدع له استحسان حسنة ولا استقباح سيئة لصعوده من جميع المعاني إلى معنى الحكم، فهذا الكلام الأخير ظاهره يبطل استحسان الحسن واستقباح القبيح والشرائع كلها مبناها على استحسان هذا واستقباح هذا بل مشاهدة الحكم تزيد البصير استحسانا للحسن واستقباحا للقبيح وكلما ازدادت معرفته بالله وأسمائه وصفاته وأمره قوي استحسانه واستقباله فإنه يوافق في ذلك ربه ورسله ومقتضى الأسماء الحسنى والصفات العلى وقد كان شيخ الإسلام في ذلك موافقا للأمر وغضبه لله ولحدوده ومحارمه ومقاماته في ذلك شهيرة عند الخاصة والعامة وكلامه المتقدم بين في رسوخ قدمه في استقباح ما قبحه الله واستحسان ما حسنه الله وهو كالمحكم فيه وهذا متشابه فيرد إلى محكم كلامه والذي يليق به ما ذكره شيخنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الواسطي في شرحه فذكر قاعدة في الفناء والاصطلام فقال الفناء عبارة عن اصطلام العبد لغلبة وجود الحق وقوة العلم به في العبد فيزيد بذلك يقينه به ومعرفته به وبصفاته سبحانه فيذهل بذلك كما يذهل الإنسان في أمر عظيم دهمه فإنه ربما غاب عن شعوره بما دهمه من الأمور المهمة مثاله رجل وقف بين يدي سلطان عظيم قاهر من ملوك الأرض فأذهله ما يلاحظه من هيبته وسلطانه عن كثير مما يشعر به وهذا تقريب والأمر فوق ذلك فكيف بمن أشهده الله ﷿ فردانيته حيث كان ولا شيء معه فرأى الأشياء مواتا لا قوام لها إلا بقدرته فشهدها خيالا كالهباء بالنسبة إلى وجود الحق تعالى وذلك في البصائر القلبية بالكشف الصحيح بعد التصفية والتدرب في القيام بأعباء الشريعة وحمل أثقالها والتخلق بأخلاقها وصفى الله عبده من درنه ويكشف لقلبه فيرى حقائق الأشياء فمتى تجلت على العبد أنوار المشاهدة الحقيقية الروحية الدالة على عظمة الفردانية تلاشى الوجود الذي للعبد واضمحل كما يتلاشى الليل إذا أسفر عليه الصباح ويكون العبد في ذلك آكلا شاربا فلا يظهر عليه شيء مغاير لما اعتاده لكن يزداد إيمانه ويقينه حتى ربما غطى إيمانه عن قلبه كل شيء في أوقات سكره ويبقى وجوده كالخيال قائما بالعبودية في حضرة ذي الجلال وتعود عليه البصائر الصحيحة في معرفة الأشياء عند صحوه ثم يزول عنه عدم التمييز ويقوى على حاله فيتصرف وذلك هو البقاء بحيث يتصرف في الأشياء ولا يحجب عنه ما وجده من الإيمان والإيقان في حال البقاء بل يعود عليه شعوره الأول بوجود آخر يتولاه الله ﷿ مشهده فيه قيامه عليه بتدبيره ويصل إلى مقام المراد بعد عبوره على مقام المريد فيصير به يسمع وبه ينطق كما جاء في الحديث الصحيح ووجه آخر وهو أن الفاني في حال فنائه قبل أن يبلغ إلى مقام البقاء والصحوة والتمييز فيستر من قلبه محل الزهد والصبر والورع لا بمعنى أن تلك المقامات ذهبت وارتفع عنها العبد لكن بمعنى أن الشهود ستر محلها من القلب وانطوت واندرجت في ضمن ما وجده اندراج الحال النازل في الحال العالي فصارت فيما وجده الواجد من وجود الحق ضمنا وتبعا وصار القلب مشتغلا بالحال الأعلى عن الحال الأدنى بحيث لو فتش قلب العبد لوجد فيه الزهد والورع وحقائق الخوف والرجاء مستورا بأمثال الجبال من الأحوال الوجودية التي يضيق القلب عن الاتساع لمجموعها وفي حال البقاء والصحو والتمييز تعود عليه تلك المقامات بالله لا بوجود نفسه إذا علمت ذلك انحل إشكال قوله إن مشاهدة العبد لم تدع له استحسان حسنة ولا استقباح سيئة
1 / 16
لصعوده إلى معنى الحكم أي أن صفة حكم الله حشت بصيرته وملأتها فشهد قيام الله على الأشياء وتصرفه فيها وحكمه عليها فرأى الأشياء كلها منه صادرة عن نفاذ حكمه وتقديره وإرادته القدرية فغاب بما لاحظ من الجمع عن التمييز والفرق ويسمى هذا جمعا لأن العبد اجتمع نظره إلى مولاه في كل حكم وقع في الكون وفي ملاحظة هذا الحكم الذي صدرت عنه التصرفات اجتمع قلبه ولضعف قلبه حين هذا الاجتماع لم يتسع للتمييز الشرعي بين الحسن والقبيح بمعنى أنه انطوى حكم معرفته بالحسن والقبيح في طي هذه المعرفة الساترة له عن التمييز لا بمعنى أنه ارتفع عن قلبه حكم التحسين والتقبيح بل اندرج في مشهده وانطوى بحيث لو فتش لوجد حكم التحسين والتقبيح مستورا في طي مشهده ذلك وبالله التوفيق، وتلخيص ما ذكره شيخنا ﵀ أن للفعل وجهين وجه قائم بالرب تعالى وهو قضاؤه وقدره له وعلمه به والعبد له ملاحظتان: ملاحظة للوجه الأول وملاحظة للوجه الثاني والكمال أن لا يغيب بأحد الملاحظتين عن الأخرى بل يشهد قضاء الرب وقدره ومشيئته ويشهد مع ذلك فعله وجنايته وطاعته ومعصيته فيشهد الربوبية والعبودية فيجتمع في قلبه معنى قوله: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ مع قوله: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّه﴾ وقوله: ﴿إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ فمن الناس من يتسع قلبه لهذين الشهودين ومنهم من يضيق قلبه عن اجتماعهما بقوة الوارد عليه وضعف المحل فيغيب بشهود العبودية والكسب وجهة الطاعة والمعصية عن شهود الحكم القائم بالرب تعالى من غير إنكار له فلا يظهر عليه إلا أثر الفعل وحكمه الشرعي وهذا لا يضره إذا كان الإيمان بالحكم قائما في قلبه ومنهم من يغيب بشهود الحكم وسبقه وأولية الرب تعالى وسبقه للأشياء عن جهة عبوديته وكسبه وطاعته ومعصيته فيغيب بشهود الحكم عن المحكوم به فضلا عن صفته فإذا لم يشهد له فعلا فكيف يشهد كونه حسنا أو قبيحا وهذا أيضا لا يضره إذا كان علمه بحسن الفعل وقبحه قائما في قلبه وإنما توارى عنه لاستيلاء شهود الحكم على قلبه وبالله التوفيق، فأين هذا من احتجاج أعداء الله بمشيئته وقدره على إبطال أمره ونهيه وعباد هؤلاء الكفرة يشهدون أفعالهم كلها طاعات لموافقتها المشيئة السابقة ولو أغضبهم غيرهم وقصر في حقوقهم لم يشهدوا فعله طاعة مع أنه وافق فيه المشيئة فما احتج بالقدر على إبطال الأمر والنهي الآمن هو من أجهل الناس وأظلمهم وأتبعهم لهواه وتأمل قوله سبحانه بعد حكايته عن أعدائه واحتجاجهم بمشيئته وقدره على إبطال ما أمرهم به رسوله وأنه لولا محبته ورضاه به لما شاءه منهم: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ فأخبر سبحانه أن الحجة له عليهم برسله وكتبه وبيان ما ينفعهم ويضرهم وتمكنهم من الإيمان بمعرفة أوامره ونواهيه وأعطاهم الأسماع والأبصار والعقول فثبتت حجته البالغة عليهم بذلك واضمحلت حجتهم الباطلة عليه بمشيئته وقضائه ثم قرر تمام الحجة بقوله: ﴿فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ فإن هذا يتضمن أنه المتفرد بالربوبية والملك والتصرف في خلقه وأنه لا رب غيره ولا إله سواه فكيف يعبدون معه إلها غيره فإثبات القدر والمشيئة من تمام حجته البالغة عليهم وأن الأمر كله لله وأن كل شيء ما خلا الله باطل فالقضاء والقدر والمشيئة النافذة من أعظم أدلة التوحيد فجعلها الظالمون الجاحدون حجة لهم على الشرك فكانت حجة الله هي البالغة وحجتهم هي الداحضة وبالله التوفيق، إذا عرفت هذا فموسى أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم على ذنب قد تاب منه فاعله فاجتباه ربه بعده وهداه واصطفاه وآدم
1 / 17
أعرف بربه من أن يحتج بقضائه وقدره على معصيته بل إنما لام موسى آدم على المعصية التي نالت الذرية بخروجهم من الجنة ونزولهم إلى دار الابتلاء والمحنة بسبب خطيئة أبيهم فذكر الخطيئة تنبيها على سبب المصيبة المحنة التي نالت الذرية ولهذا قال له أخرجتنا ونفسك من الجنة وفي لفظ خيبتنا فاحتج آدم بالقدر على المصيبة وقال أن هذه المصيبة التي نالت الذرية بسبب خطيئتي كانت مكتوبة بقدره قبل خلقي والقدر يحتج به في المصائب دون المعائب أي أتلومني على مصيبة قدرت علي وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا سنة هذا جواب شيخنا ﵀ وقد يتوجه جواب آخر وهو أن الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع ويضر في موضع ويضر في موضع فينفع إذا احتج به بعد وقوعه والتوبة منه وترك معاودته كما فعل آدم فيكون في ذكر القدر إذ ذاك من التوحيد ومعرفة أسماء الرب وصفاته وذكرها ما ينتفع به الذاكر والسامع لأنه لا يدفع بالقدر أمرا ولا نهيا ولا يبطل به شريعة بل يخبر بالحق المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوة، يوضحه أن آدم قال لموسى أتلومني على أن عملت عملا كان مكتوبا علي قبل أن أخلق فإذا أذنب الرجل ذنبا ثم تاب منه توبة وزال أمره حتى كأن لم يكن فأنبه مؤنب عليه ولامه حسن منه أن يحتج بالقدر بعد ذلك ويقول هذا أمر كان قد قدر عليّ قبل أن أخلق فإنه لم يدفع بالقدر حقا ولا ذكره حجة له على باطل ولا محذور في الاحتجاج به وأما الموضع الذي يضر الاحتجاج به ففي الحال والمستقبل بأن يرتكب فعلا محرما أو يترك واجبا فيلومه عليه لائم فيحتج بالقدر على إقامته عليه وإصراره فيبطل بالاحتجاج به حقا ويرتكب باطلا كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم غير الله فقالوا: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا﴾: ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ فاحتجوا به مصوبين لما هم عليه وأنهم لم يندموا على فعله ولم يعزموا على تركه ولم يقروا بفساده فهذا ضد احتجاج من تبين له خطأ نفسه وندم وعزم كل العزم على أن لا يعود فإذا لامه لائم بعد ذلك قال كان ما كان بقدر الله، ونكتة المسألة أن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر وإذا كان اللوم واقعا فالاحتجاج بالقدر باطل، فإن قيل فقد احتج عليّ بالقدر في ترك قيام الليل وأقره النبي ﷺ كما في الصحيح عن علي: "أن رسول الله صلى الله عيه وسلم طرقه وفاطمة ليلا فقال لهم ألا تصلون قال فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثها بعثها فانصرف رسول الله ﷺ حين قلت له ذلك ولم يرجع إلي شيئا ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه وهو يقول: ﴿وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ "، قيل علي لم يحتج بالقدر على ترك واجب ولا فعل محرم وإنما قال أن نفسه ونفس فاطمة بيد الله فإذا شاء أن يوقظها ويبعث أنفسها بعثها وهذا موافق لقول النبي ﷺ ليلة ناموا في الوادي: "إن الله قبض أرواحنا حيث شاء وردها حيث شاء" وهذا احتجاج صحيح صاحبه يعذر فيه فالنائم غير مفرط واحتجاج غير المفرط بالقدر صحيح وقد أرشد النبي ﷺ إلى الاحتجاج بالقدر في الموضع الذي ينفع العبد الاحتجاج به فروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قل قدر الله ما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان" فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان أحدها: أن الله ﷾ موصوف بالمحبة وأنه
1 / 18
يحب حقيقة الثاني: أنه يحب مقتضى أسمائه وصفاته وما يوافقها فهو القوي ويحب المؤمن القوي وهو وتر يحب الوتر وجميل يحب الجمال وعليم يحب العلماء ونظيف يحب النظافة ومؤمن يحب المؤمنين ومحسن يحب المحسنين وصابر يحب الصابرين وشاكر يحب الشاكرين، ومنها أن محبته للمؤمنين تتفاضل فيحب بعضهم أكثر من بعض، ومنها أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع فإذا صادف ما ينتفع به الحريص كان حرصه محمودا وكماله كله في مجموع هذين الأمرين أن يكون حريصا وأن يكون حرصه على ما ينتفع به فإن حرص على مالا ينفعه أو فعل ما ينفعه بغير حرص فاته من الكمال بحسب ما فاته من ذلك فالخير كله في الحرص على ما ينفع ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه أمره أن يستعين به ليجتمع له مقام: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله ولا تتم إلا بمعونته فأمره بأن يعبده وأن يستعين به ثم قال ولا تعجز فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه وينافي استعانته بالله فالحريص على ما ينفعه المستعين بالله ضد العاجز فهذا إرشاد له قبل رجوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده ومصدرها منه ومردها إليه فإن فاته ما لم يقدر له فله حالتان حالة عجز وهي مفتاح عمل الشيطان فيلقيه العجز إلى لو ولا فائدة في لو ههنا بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن وذلك كله من عمل الشيطان فنهاه ﷺ عن افتتاح عمله بهذا المفتاح وأمره بالحالة الثانية وهي النظر إلى القدر وملاحظته وأنه لو قدر له لم يفته ولم يغلبه عليه أحد فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجود المقدور وإذا انتفت امتنع وجوده فلهذا قال فإن غلبك أمر فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين حالة حصول مطلوبة وحالة فواته فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا بل هو أشد شيء إليه ضرورة وهو يتضمن إثبات القدر والكسب والاختيار والقيام والعبودية ظاهرا وباطنا في حالتي حصول المطلوب وعدمه وبالله التوفيق.
الباب الرابع: في ذكر التقدير الثالث والجنين في بطن أمه وهو تقدير شقاوته وسعادته ورزقه وأجله وعمله وسائر ما يلقاه وذكر الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك عن عبد الله بن مسعود قال حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم ليجمع خلقا في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" متفق عليه وعن حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي ﷺ قال: "يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة فيقول يا رب أشقي أم سعيد فيكتبان فيقول أي رب أذكر أم أنثى
الباب الرابع: في ذكر التقدير الثالث والجنين في بطن أمه وهو تقدير شقاوته وسعادته ورزقه وأجله وعمله وسائر ما يلقاه وذكر الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك عن عبد الله بن مسعود قال حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم ليجمع خلقا في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" متفق عليه وعن حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي ﷺ قال: "يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة فيقول يا رب أشقي أم سعيد فيكتبان فيقول أي رب أذكر أم أنثى
1 / 19
فيكتبان ويكتب عمله وأثره واجله ورزقه ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص" رواه مسلم وعن عامر بن واثلة أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: "الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره" فأتى رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقال له حذيفة بن أسيد الغفاري فحدثه بذلك من قول ابن مسعود فقال وكيف يشقى رجل بغير عمل فقال له الرجل أتعجب من ذلك فأنى سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال يا رب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب أجله فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب رزقه فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص" وفي لفظ آخر سمعت رسول الله ﷺ بأذني هاتين يقول: "إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك" قال زهير بن معاوية أحسبه قال: "الذي يخلقها فيقول يا رب أذكر أم أنثى فيجعله الله ذكرا أو أنثى ثم يقول يا رب أسوي أم غير سوي فيجعله الله سويا أو غير سوي ثم يقول يا رب ما رزقه وما أجله وما خلقه ثم يجعله الله شقيا أو سعيدا" وفي لفظ آخر إن ملكا موكلا بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئا بإذن الله ولبضع وأربعين ليلة ثم ذكر نحوه وهذا الحديث بطرقه انفرد به مسلم وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله ﷺ: "إن الله ﷿ وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة وإذا أراد أن يقضي خلقا قال الملك أي رب ذكر أو أنثى شقي أو سعيد فما الرزق فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه" متفق عليه وقال ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سعيد بن عبد الرحمن بن هنيدة حدثهم أن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ﷺ: "إذا أراد الله أن يخلق النسمة قال ملك الأرحام معها يا رب أذكر أم أنثى فيقضي الله بأمره ثم يقول يا رب شقي أم سعيد فيقضي الله أمره ثم يكتب بين عينيه ما هو لاق حتى النكبة ينكبها" قال ابن وهب وأخبرني عبد الله بن لهيعة عن بكر بن سوادة الجدمي عن أبي تميم الجيشاني عن أبي ذر أن النبي ﷺ قال: "إذا دخلت يعني النطفة في الرحم أربعين أتى ملك النفس فعرج إلى الرب فقال يا رب عبدك أذكر أو أنثى فيقضي الله بما هو قاض أشقي أم سعيد فيكتب ما هو كائن وذكر بقية الحديث وقال ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن كعب بن علقمة عن عيسى عن هلال عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: "إذا مكثت النطفة في رحم المرأة أربعين ليلة جاءها ملك فاختلجها ثم عرج بها إلى الله تعالى أخلق يا أحسن الخالقين فيقضي الله فيها بما يشاء من أمره ثم تدفع إلى الملك فيسأل الملك عند ذلك فيقول يا رب أسقط أم يتم فيبين له ثم يقول يا رب أواحد أم توأم فيبين له ثم يقول له أقطع رزقه مع خلقه فيقضيهما جميعا فوالذي نفس محمد بيده لا ينال إلا ما قسم له يومئذ إذا أكل رزقه قبض" وقال عبد الله بن أحمد أنا العلاء ثنا أبو الأشعث ثنا أبو عامر عن الزبير بن عبد الله حدثني جعفر بن مصعب قال سمعت عروة بن الزبير يحدث عن عائشة عن النبي ﷺ قال: "إن الله سبحانه حين يريد أن يخلق الخلق يبعث ملكا فيدخل الرحم فيقول أي رب ماذا فيقول غلام أو جارية أو ما شاء أن يخلق في الرحم فيقول أي رب أشقي أم سعيد فيقول شقي أو سعيد فيقول أي رب ما أجله فيقول كذا وكذا فيقول ما خلقه ما خلائقه فيقول
1 / 20
كذا وكذا فما شيء إلا وهو يخلق معه في الرحم" وفي المسند من حديث إسماعيل بن عبيد الله وهو ابن أبي المهاجر أن أم الدرداء حدثته عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال: "فرغ الله ﷿ إلى كل عبد من خمس من أجله ورزقه ومضجعه وأثره وشقي أم سعيد" وقال ابن حميد ثنا يعقوب بن عبد الله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "إذا وقعت النطفة في الرحم تلبث أربعة أشهر وعشرا ثم تنفخ فيها الروح ثم تلبث أربعين ليلة ثم يبعث إليها ملك فنقفها في نقرة القفا وكتب شقيا أو سعيدا" وروى ابن أبي خيثمة ثنا عبد الرحمن بن المبارك ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "السعيد من سعد في بطن أمه" رواه أبو داود في القدر عن عبد الرحمن عن حماد عن هشام بن حسان عن محمد به وقال أحمد بن عبد أنبأنا علي بن عبد الله بن ميسر ثنا عبد الحميد بن بيان ثنا خالد بن عبد الله عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: "الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه" وقال سعيد عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: "الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره" وقال شعبة عن مخارق عن طارق عن عبد الله بن مسعود قال: "إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها فاتبعوا ولا تبتدعوا فإن الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره وأن شر الروايا روايا الكذب وشر الأمور محدثاتها وكل ما هو آت قريب" رواهن أبو داود في القدر وذكر الطبري من رواية أبي إسحاق عن أبي عبدة عنه أنه كان يجيء كل يوم خميس يقوم قائما لا يجلس فيقول إنما هما اثنتان فأحسن الهدى هدى محمد وأصدق الحديث كتاب الله وشر الأمور محدثاتها وكل محدث ضلالة إن الشقي من شقي في بطن أمه وأن السعيد من وعظ بغيره ألا فلا يطولن عليكم الأمد ولا يلهينكم الأمل فإن كل ما هو آت قريب وإنما البعيد ما ليس آتيا وأن من شرار الناس بطال النهار جيفة الليل وأن قتل المؤمن كفر وإن سبابه فسوق ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ألا إن شر الروايا روايا الكذب وأنه لا يصلح من الكذب جد ولا هزل ولا أن يعد الرجل صفيه ثم لا ينجزه ألا وأن الكذب يهدى إلى الفجور وأن الفجور يهدي إلى النار وأن الصدق يهدي إلى البر وأن البر يهدي إلى الجنة وأن الصادق يقال له صدق وبر وأن الكاذب يقال له كذب وفجر وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "أن العبد ليصدق فيكتب عند الله صديقا وأنه ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا ألا هل تدرون ما العضة هي النميمة التي تفسد بين الناس" وهذا متواتر عن عبد الله وبلغ معاوية أن الوباء اشتد بأهل دار فقال لو حولناهم عن مكانهم فقال له أبو الدرداء: كيف لك يا معاوية بأنفس قد حضرت آجالها فكأن معاوية وجد على أبي الدرداء فقال له كعب يا معاوية لا تجد على أخيك فإن الله سبحانه لم يدع نفسا حين تستقر نطفتها في الرحم أربعين ليلة إلا كتب خلقها وخلقها وأجلها ورزقها ثم لكل نفس ورقة خضراء معلقة بالعرش فإذا دنا أجلها خلقت تلك الورقة حتى تيبس ثم تسقط فإذا يبست سقطت تلك النفس وانقطع أجلها ورزقها ذكره أبو داود عن محمود بن خالد ثنا مروان ثنا معاوية بن سلام حدثني أخي زيد بن سلام عن جده ابن سلام قال بلغ معاوية فذكره وقال أبو داود ثنا واصل بن عبد الأعلى ثنا ابن فضيل عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن الحكم عن مجاهد في قوله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي
1 / 21