أبي سعيد عن النبي ﷺ أحسبه قال: "يؤتى بالهالك في الفترة والمعتوه والمولود فيقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب ولا رسول ويقول المعتوه أي رب لم تجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا ويقول المولود أي رب لم أدرك العمل قال فيرفع لهم نار فيقال لهم ردوها أو قال أدخلوها فيردها من كان في علم الله سعيدا أن لو أدرك العمل قال ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا أن لو أدرك العمل فيقول ﵎ إياي عصيتم فكيف رسلي بالغيب" وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة جمعا هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت منهم وهو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين" ومعنى الحديث الله أعلم بما كانوا عاملين لو عاشوا وقد قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ قال ابن عباس: علم ما يكون قبل أن يخلقه وقال أيضا على علم قد سبق عنده وقال أيضا: يريد الأمر الذي سبق له في أم الكتاب وقال سعيد بن جبير ومقاتل: على علمه فيه وقال أبو إسحاق: أي على ما سبق في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه وهذا الذي ذكره جمهور المفسرين وقال الثعلبي: على علم منه بعاقبة أمره قال وقيل على ما سبق في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه وكذلك ذكر البغوي وأبو الفرج بن الجوزي قال: على علمه السابق فيه أنه لا يهتدي وذكر طائفة منهم المهدوي وغيره: قولين في الآية هذا أحدهما قال المهدوي: فأضله الله على علم علمه منه بأنه لا يستحقه قال: وقيل على علم من عابد الصنم أنه لا ينفع ولا يضر وعلى الأول يكون على علم حال من الفاعل المعنى أضله الله عالما بأنه من أهل الضلال في سابق علمه وعلى الثاني حال من المفعول أي أضله الله في حال علم الكافر بأنه ضال قلت وعلى الوجه الأول فالمعنى أضله الله عالما به وبأقواله وما يناسبه ويليق به ولا يصلح له غيره قبل خلقه وبعده وأنه أهل للضلال وليس أهلا أن يهدي وأنه لو هدى لكان قد وضع الهدى في غير محله وعند من لا يستحقه والرب تعالى حكيم إنما يضع الأشياء في محالها اللائقة بها فانتظمت الآية على هذا القول في إثبات القدر والحكمة التي لأجلها قدر عليه الضلال وذكر العلم إذ هو الكاشف المبين لحقائق الأمور ووضع الشيء في مواضعه وإعطاء الخير من يستحقه ومنعه من لا يستحقه فإن هذا لا يحصل بدون العلم فهو سبحانه أضله على علمه بأحواله التي تناسب ضلاله وتقتضيه وتستدعيه وهو سبحانه كثيرا ما يذكر ذلك مع إخباره بأنه أضل الكافر كما قال: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾: ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾: ﴿وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ﴾: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ وقد أخبر سبحانه أنه يفعل ذلك عقوبة لأرباب هذه الجرائم وهذا إضلال ثان بعد الإضلال الأول كما قال تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ وقال: ﴿وَإِذْ قَالَ
1 / 30