ومنتهى العفونة التنتين. فللعفونة فى الكائنات عن الرطوبة، طريق مضادة لطريق الكون. فإن الكون يصرف الرطوبة، على المصلحة، إلى الكمال، والعفونة تصرفها، على المفسدة، إلى البوار. والبرد يعين على العفونة، بما يضعف من الحرارة الغريزية أولا، وبما يحقن من الغريبة، وهذا هو العفونة.
وربما استعد الشىء بالعفونة لقبول صورة أخرى، فيتولد منه شىء آخر: نبات أو حيوان. وهذه الحرارة الغريبة إن كانت قوية، بحيث تسرع فى تحليل الرطوبة المذكورة، لم تكن عفونة؛ بل احراق أو تجفيف. وإنما تكون العفونة إذا بقيت الرطوبة مدة تستحيل عن الموافقة وهي رطوبة.
فقد عرف من هذا القول حال النضج النافع فى تكميل الصورة النوعية. و أما النضج الثاني و الثالث فإن السبب فيها حرارة غريبة أيضا لكنها غريزية للشىء الذى لأجله ما ينضج النضج المذكور. فإذا فعلت هذه الحرارة فعلها، و بلغت به الغاية المقصودة فقد نضج؛ و إن قصرت و عاوقها برد كانت فجاجة؛ و إن استولت عليها حرارة غريبة أخرى أفسدت على الغريزية فعلها، و قهرت الحرارة التى فى الغذاء، فزال الغذاء عن طبيعته، ولم يستحل إلى طبيعة البدن، وصار معطلا لا ينفع به. وذلك هو العفونة.وكذلك الخلط إذا لم يبق بحاله، ولم يستحل إلى النضج، بقي عفنا. لكن الخلط العفن قد يلحقه النضج، فيجعله بحيث يندفع؛ لأن غاية هذا النضج هي هذا.
فالنضج مادته جسم رطب ليس بيابس صلب، ولا أيضا بنحيف لا يحفظ الرطوبة التى له كالخشب. والفاعل فيه حرارة غريزية، وصورته تكيف الرطوبة بكيفية موافقة لغرض الطبيعة، وغايته تتمة نشء الأشخاص الجزئية.
صفحة ٢٢٦