فإذا كان فى جسم ما، من نفسه، أو من شىء فيه، مبدأ تسخين، وكان ذلك المبدأ يسخنه كله، كان تسخينه له كله أضعف من تسخينه لما هو أصغر من كليته. وإذا استولى البرد على الأجزاء الظاهرة منه، فامتنع فعلها فيه وبقى المنفعل عنه الأجزاء الباطنة، وهو أقل من كليته، كان، تسخنها وانفعالها من المؤثر أشد بكثير من تسخن الكلية وانفعالها عن تلك القوة بعينها، كمن كان عليه ثقل يحمله فنقص بعضه، وتسلطت قوته على شطر منه، فيكون تأثيره فيه أسرع وأقوى وكذلك الحال فى التبريد.
فيجب أن نعتقد حال التعاقب على هذه الجملة، لا على سبيل اختلاف مقايسة، ولا على سبيل انتقال عرض، أو انهزام ضد من ضد. فالماء ليس إنما ينهزم من النار على ما يظنونه؛ بل يتبخر دفعة بخارات شأنها أن ترتفع إلى فوق دفعة، مع مخالطة الماء الذى لم يستحل، فتحدث من ذلك حركة مضطربة وصوت ينبعث عن شدة حركة هوائية تعرض هناك، لا على سبيل أن الماء يستغيث من النار بوجه من الوجوه. وهذه الحركة إنما يقصد الماء فيها كالمساعدة للنار، والمصير نحو جهتها لما قبله من السخونة. فربما لم يمكنه لثقله ولبطلان الكيفية المكتسبة له عند مفارقة مستوقد النار بالغليان، وربما قسره الهواء الذى يحدث فيه منه على التفرق، وقذفه إلى بعيد تطريقا لنفسه، كما يغليه ويحبسه، وكما يحدث عن إغلائه من التموج.
صفحة ٢١٤