كذلك يمكن تسجيل ظاهرة الأغاني الطقسية والموسمية، المرتبطة بالاحتفالات الشعائرية الطوطمية لأضرحة الشيوخ والأولياء، من جانب كلا النساء والفتيات، والذكور من الشباب.
وفي حالة الذكور تضاف أغاني العراسات، وأغاني الرمي أو التلقيح التي تفيض بالأقوال الفاحشة.
أما أغاني الحرفيين والطبقات الوسطى الصغيرة؛ من خبازين وبنائين ومبيضي النحاس وحلاقين وحدادين، فيبدو أنها ازدهرت بدءا من الفاطميين، متوالية الإكثار في العصر التركي المملوكي. وكان يحتفل بها في ليلة رؤية الهلال أول رمضان فيما يعرف ب «احتفالات الرؤية».
فالملاحظ هو أن الأنغام والإيقاعات التي عادة ما تصاحب الأغنية الشعبية الفولكلورية، تحفظ لها انتشارا أسرع وأسهل من ذلك الذي تحظى به الحكايات، بل إن الحدود الوطنية والقومية واللغوية لا تشكل حواجز تستعصي على العبور، بالنسبة لكلا الشعر والإيقاع أو الميلوديات الموسيقية.
وعادة ما يكون أسلوب الأغنية الفولكلورية أميل إلى البساطة، وأقرب إلى أسلوب المربعات الشائع بكثرة في نصوصنا هذه.
ولدينا شواهد على أن السخرية في هذه الأغاني باقتحامها للتابوات والضغوط السياسية كانت عنيفة مما دعا السلطات إلى وقفها ومنعها، وفرض الغرامات على من يغنونها، أو وضعهم في السجن، بل سنورد أمثالا لمثل هذه الأغاني، ومنها أغاني الجندية والسجن، ومأثوراتها متعددة، خاصة في سوريا وفلسطين.
وتعتبر أغنية النساجين السليزيين، التي قيلت عام 1849، مثالا لهذا الفن، وإن كانت تعتبر كذلك نقطة الافتراق بين الأغاني الفولكلورية والأغاني السياسية، كما اعتبرها البعض من الفولكلوريين.
فهذه المواويل والأغاني جميعا تضرب بجذورها البعيدة في أعماق التاريخ، مما يجعل التصدي لها في كتاب كهذا الكتاب يقصر بالضرورة عن الدقة العلمية الواجبة، ويكفي أن نقول إن التأليف الفردي لا الجماعي أمر مؤكد في هذه الأغاني والأشعار العربية ونظيرتها أغاني الفروسية والملاحم المعروفة في الغرب ب «البيوريتان».
يمكن القول بأن الأغاني الدينية تستوي مع الأغاني السياسية في أنها تزدهر فحسب في فترات الحماس الروحي، كفترة حركة الفرنسيسكان في إيطاليا أثناء القرن الثالث عشر، وحركة البروتستانت في ألمانيا أثناء حرب الثلاثين في الغرب، وكذا الثورة العرابية في مصر، ومعاصرتها المهدية في السودان، ورشيد عالي الكيلاني في العراق.
وبالنسبة لحركة البروتستانت نجد أن جميع مؤلفي أغانيها الدينية معروفون لنا - كما يذكر كراب - وكذلك الشأن فيما يتصل بالظروف التي أنشأت كل قصيدة مفردة منها. ولم يحل ذلك كله دون أن تصبح هذه الأغاني الدينية أغاني فولكلورية أصيلة، وبعض هذه الأغاني الدينية أعمال كبيرة من الناحية الفنية الخالصة.
صفحة غير معروفة