وصالحه أهلها، ثم مضى إلى جرجان، فاستقبله أهلها وصالحوه دون قتال، فطمع في طبرستان، فأسرع إليها، وضرب عليها حصارا من ثلاث جهات، فطلب إليه إصبهبذها الصلح فرض، والتحم معه قواد يزيد في معركة حامية انتصروا عليه فيها، فصعد بمن بقي معه من الجنود إلى قمة جبل، فتعقبوه فهزمهم. وحينئذ كاتب الإصبهبذ أهل جرجان أن يقطعوا الطريق إلى دار الإسلام عن يزيد، وأن يمنعوا عنه المؤونة والمدد، فثاروا بجرجان، وقتلوا الحامية العربية بها، ولم يتمكن يزيد من النجاة بنفسه، واستنقاذ جيشه إلا بعد أن توسط بينه وبين الإصبهبذ حيان النبطي، قادد الفرقة الخراسانية في الجيش العربي، فوادعه الإصبهبذ، وسمح له بالانسحاب من بلاده١.
وفي السنة نفسها صمم يزيد على فتح جرحان، لأن أهلها تمردوا عليه، وغدروا به، فزحف إليهم، ولم يتحول عنهم إلا بعد أن مزقهم وقتلهم، وصلبهم، ودمر مدينتهم، ثم رممها وعمرها٢.
ولكن ولاية يزيد لم تطل، فقد توفي سليمان، وخلفه عمر بن عبد العزيز، فصرفه عن خراسان، وزج به في الحبس، وطالبه بما اجتمع عنده من الأموال الضخمة التي كتب بها إلى سليمان، واستعمل على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي٣. فكان عليها عاما وبعض عام، ثم نحاه عمر عنها، لأنه كتب إليه أن يضع الجزية عمن أسلم من أهل خراسان، وأن يفرض لجنودهم عطاء، بعد أن شكا إليه أبو الصيداء صالح بن طريف من ظلم الجراح لهم، وعدوانه عليهم، فلم يسقط الجزية عن مسلميهم، ولا أجرى رزقا على مقاتليهم، ورد على عمر بأنهم لم يسارعوا إلى الإسلام إلا تخلصا من الجزية، وأنهم لم يختتنوا. فكتب إليه عمر: إن الله بعث محمدا نبيا، ولم يبعثه خاتنا. واستقدمه، وعين مكانه عبد الرحمن بن نعيم الغامدي الأزدي على حرب خراسان، وعبد الرحمن بن عبد الله القسيري على خراجها، وأوصاهما بالعدل: فلم يزل عبد
_________
١ تاريخ اليعقوبي ٣: ٤٠، والطبري ٩: ١٣١٨، وابن الأثير ٥: ٢٩.
٢ الطبري ٩: ١٣٣٠، وابن الأثير ٥: ٣٤.
٣ تاريخ اليعقوبي ٣: ٤٦، وفتوح البلدان ص: ٤١٥، والطبري ٩: ١٣٥١، وابن الأثير ٥: ٤٨.
1 / 29