طلي قبال القمر
تا نحرنقو شويه
وفي كل حال يظل رشيد نخلة إمام الزجالين المتبوع، فمنهم من اتبعه من بعيد، ومنهم من اتبعه من قريب كخليفته شحرور الوادي ووليم صعب. وسيبدو للقارئ في فصل آت وهو الأخير.
الطور الرومانطيقي الرمزي
أحسب أن هذا الشعر العامي قد أصبح محسوبا على تاريخ الأدب، وإذا لم يحتل الصدر في ديوان العرب فهو قد احتل زاوية من زواياه، ولفت إليه الأنظار حتى تمنى شعراء الفصحى أن يكون لهم مثل عاطفته وصوره، وموسيقاه المنسجمة، وألفاظه الناعمة التي صقلها الاستعمال، فالشاعر من هؤلاء هو ابن الزمان والمكان، وهذا ما طلبه ويطلبه النقاد من الشاعر والكاتب.
سأل الفرزدق أحد الرواة، ولعله شيخهم عمرو بن العلاء: من أشعر أنا أم ذلك الكلب جرير؟
فأجابه: أنت عند العلماء، وهو عند العوام، فارتاح الفرزدق لحكمه، ولما بلغ هذا القول جريرا ضرب فخذيه بكفيه، وصاح: غلبته والله، فليس في الألف من الناس عالم واحد.
وقال الأخطل في هذا المعنى: قلت بيتا لم يقل مثله شاعر قبلي، فما دار على لسان أحد، ونقضه جرير فلم تبق سقاة إلا روت ما قال.
أظن أن هذا السبب هو الذي يقدم اليوم الشعر العامي على الشعر الفصيح عند الجمهور. حضرت مأتم شاعر ليس فينا من هو أشد منه إخلاصا للغتنا العربية، فرثوه بنثر بليغ وشعر يستحق أن نسمعه، فما تحركت الجماهير ولا ماجت الرءوس كالحصاد إلا حين وقف شعراء العوام، وكلموهم بالألفاظ الدائرة على ألسنتهم. ليس هذا فقط هو سبب الاستحسان، بل هناك صور قلما نجدها في شعرنا الفصيح، وإذا وجدت فهي لا تظفر بالكلمات التي تبرزها وتلونها؛ لأن أكثر شعرائنا ليسوا من فقهاء اللغة، وهب أنهم كانوا، فماذا ينفع الفقه من لا يدرك ما تقوله له؟
وإني لأظن أن هذه الحالة هي التي نشرت بيننا هذه البدع الحديثة: بدعة الحرف اللاتيني، وبدعة الخروج على أصول اللغة، وبدعة اللغة العامية، واللغة العامية التي يدعون إليها أي غرض تؤدي في ميادين الفكر؟ إنها لا تصلح إلا لهذا الزجل، ومتى تخطت تخومه بدت هزيلة ضعيفة.
صفحة غير معروفة