دروس الشيخ سعد البريك

سعد البريك ت. غير معلوم
83

دروس الشيخ سعد البريك

تصانيف

معاني الفتنة لغة واصطلاحًا الحمد لله على نعمه التي لا تحصى، وإن من أجل نعم الله علينا أن تجتمع هذه الوجوه في هذا المكان الطيب المبارك لا ينتظر أحدنا ريالًا ولا دينارًا ولا درهمًا (فتقول الملائكة: يا ربنا! اجتمع عبادك هؤلاء يذكرونك، ويسبحونك، فيقول الله جل وعلا: ماذا يسألون؟ فتقول الملائكة: يسألونك الجنة -والله ما جئنا إلا نريد الجنة، والله ما اجتمعنا إلا طلبًا للجنة، والله ما ركعنا وسجدنا إلا ابتغاء رضوان الله في الجنة والنجاة من النار- فيقول الله جل وعلا للملائكة: وهل رأى عبادي جنتي؟ فتقول الملائكة: لا يا ربنا ما رأوها، فيقول الله جل وعلا: كيف لو رأوا جنتي؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد طلبًا لها، فيقول الله جل وعلا: ومما يستعيذ عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يستعيذون بك من النار، فيقول الله جل وعلا: وهل رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: لا يا ربنا). ووالله ما اجتمعنا هاهنا إلا لنسأل ربنا النجاة من النار، نسأل ربنا النجاة يوم العرض الأكبر على الله، نسأل ربنا النجاة يوم يمر العباد على الصراط؛ منهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يحبو حبوًا، ومنهم من تدركه كلاليب جهنم فتخطفه إلى النار ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم يا مطلعًا على ما يعمل عبادك نشهدك ربنا أنا ما اجتمعنا هنا إلا لنستعيذ بك من النار ولنسألك الجنة، إنك هديتنا إلى الإسلام وما سألناك، فأعطنا الجنة وقد دعوناك، ونجنا من النار وقد رجوناك. تتمة الحديث -أيها الأحبة- يقول الله جل وعلا للملائكة: (وهل رأى عبادي ناري؟ فتقول الملائكة: لا يا ربنا، ما رأوها، فيقول الله جل وعلا: كيف لو رأوا ناري؟ -كيف لو رأوها وهي تجر بسبعين ألف زمام، لكل زمام سبعون ألف ملك، ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ [الفرقان:١٢]- كيف لو رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد خوفًا وهربًا منها، فيقول الله جل وعلا: أشهدكم أني غفرت لهم). الله أكبر يا عباد الله! الله أكبر يا إخواني في الله! ليخرجن برحمة الله هذه الساعة من هذا المسجد شباب ورجال لم يكتب عليهم سيئة وقد غفرت لهم خطاياهم التي مضت (أشهدكم أني غفرت لهم) فتقول الملائكة: من بينهم في هذا المكان، وفي هذا الصف، وفي تلك الناحية، قوم ما جاءوا يستمعون الذكر، وإنما جاءوا لأغراض أخرى، فيقول الله جل وعلا: (ولهم غفرت أيضًا، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم). الله أكبر يا عباد الله! ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف:٥٦] من ذا الذي يتعرض لها؟ من ذا الذي يتعرض لنسماتها ونفحاتها؟ إن كثيرًا من العباد عنها لفي غفلة. أيها الأحبة! لا أزال أكرر وأردد في كل مناسبة، أن حضور الندوات والمحاضرات في المساجد له شأن أبلغ من استماعها في الأشرطة والمسجلات، نعم، إذا فاتتك الموعظة، فينبغي لك ألا تفوتك الفائدة من سماعها، فتشتري شريطها فتسمعه، ثم تهديه وتدفعه إلى من لم يسمعه، ولكن الحضور له شأن آخر حيث تحضره الملائكة، ويذكر الله من حضره في ملأ أزكى وأعظم منهم، وتغشاهم السكينة، وتتنزل عليهم الرحمة، هذا أمر لا يكون في سماع الأشرطة في المسجلات، وعلى أية حال ففضل الله واسع. أيها الأحبة! الحديث كما تفضل الشيخ مقدم هذه المناسبة الطيبة جزاه الله خير الجزاء عن الحذر من الفتن، والفتن -أيها الأحبة في الله- تطلق ويراد بها معان عدة، يقول ابن منظور في لسان العرب: فتن من الفتنة، وهي: الابتلاء والامتحان والاختبار، وأصلها مأخوذ من قولك: فَتَنْتُ الذهب والفضة إذا أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد، ويقال: دينار مفتون، أي: مميزٌ، والله جل وعلا قد ذكر الفتنة في مقامات مختلفة، ومواضع عدة من كتابه، فمنها قول الله جل وعلا: ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ [الذاريات:١٣] أي: يحرقون. وترد الفتنة بمعنى الاختبار، وترد بمعنى المحنة، وترد بمعنى المال، وترد بمعنى الأولاد: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [التغابن:١٥] وترد الفتنة بمعنى الكفر: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة:١٩١] وترد الفتنة بمعنى الناس، وترد الفتنة بمعنى المغالاة في الطلب، كقولهم: فلان رجلٌ مفتون بالدنيا، أي: مغال في طلبها، وترد الفتنة بمعنى الإعجاب، كما جاء في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس:٨٥] أي: لا تجعل لهم نصرًا علينا فيعجبون بهذه الفتنة وهي نصرهم علينا، وترد الفتنة بمعنى الوله والمحبة، إذا فتن الرجل بالمرأة وشغف بها حبًا. فالفتنة يراد بها معان عدة من حيث اللغة، وإذا أردنا بحثها في مجال الاصطلاح والشريعة، فإنها تكاد تنحصر حصرًا اجتهاديًا في أمرين: فالأمر الأول: فتنة الرجل في ماله وأهله وولده، وما يعرض له في هذه الدنيا. والأمر الثاني: الفتنة بمعناها الأعظم وهي: ضياع الناس وهرجهم ومرجهم، وتخبطهم في بعضهم، وسفك دماء بعضهم لبعض، وغياب الإمامة العظمى، أو ضياع الخلافة أو الرئاسة والملك، فإذا وجد قوم بلا خليفة أو رئيس أو ملك، ثم تخبط بعضهم في بعض يقال: هؤلاء في فتنة، أي: أنهم ضاع أمرهم، وفتن بعضهم ببعض ولا حول ولا قوة إلا بالله، والفتنة واردة لهذه المعاني المجتمعه.

5 / 2