دروس الشيخ سعد البريك

سعد البريك ت. غير معلوم
66

دروس الشيخ سعد البريك

تصانيف

عظمة الله تعالى أحبتي في الله: أما موضوعنا فكما تعلمون وكما تفضل فضيلة الشيخ أنه مرتبطٌ أو متعلقٌ بواجب الشباب المسلم تجاه نفسه وحمل دينه، والحديث في هذا شيقٌ جدًا. وأول ما نبدأ به هذا الأمر -أيها الإخوة- نقول: ما هو هذا الدين الذي نحمله؟ وهذا الدين الذي نتحدث به ونتكلم عنه؟ ندين به لمن؟ إننا ندين به لله جل وعلا. فحمل هذا الدين، والحرقة له، والاشتياق والولع والاشتغال بنشره فرعٌ عن معرفة الله جل وعلا الذي شرعه لنا، وإذا عرفتَ ربك حق المعرفة، كنت قائمًا له حق القيام، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، ومن علم خشي: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر:٢٨]. أيها الأحبة: والله لو تفكرنا وتأملنا عظمة هذا الرب الجليل الذي شرع لنا هذا الدين لأدركنا أننا في كرامة ولأدركنا حقيقة قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الإسراء:٧٠] والله إن الله كرمنا كرامة ما تفكرنا في حقيقتها، بل إن من الناس من ضلت به مذاهبه وأغوته شياطينه حتى رضي الخسة والدناءة والحضيض والهوان لنفسه، واشتراها بديلًا عن تكريم الله له ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها الإخوة: أسألكم سؤالًا واحدًا: أنتم الآن في هذه القاعة وفي هذه الصالة، كل واحد منكم ماذا يشغل من حيز هذه الصالة؟ هذه الصالة قرابة (٢٠) مترًا، أو (٣٠×٢٠) مترًا. هل تملأ مترًا واحدًا منها؟! أنت تنظر إلى هذه الصالة معجبًا مندهشًا لهذا الارتفاع والسعة وحسن البناء، هذه الصالة موجودة في مدينة الزلفي وهذه المدينة، أنت لا تشغل شيئًا منها بالنسبة للصالة. ما الذي تشغله بالنسبة لمدينة الزلفي؟ لا تشغل شيئًا يذكر، أقل من متر! وماذا تشغله بالنسبة للمملكة العربية السعودية بأكملها؟ أنت كذلك لا تشغل شيئًا يذكر. والمملكة العربية بأكملها ما الذي تشغله بالنسبة لقارة آسيا؟ شيء بسيط بالنسبة للقارة. وقارة آسيا ما الذي تشغله بالنسبة للكرة الأرضية بجميع القارات؟ -أيضًا- هذه القارة جزءٌ يسيرٌ من الكرة الأرضية. والكرة الأرضية أي حيز تشغله، أي مكان تشغله بالنسبة للمجرة المليئة بالكواكب الأخرى والتي تقاس المسافات بيننا وبينها بالسنين الضوئية لبُعد المسافة؟ أيضًا الكرة الأرضية لا تشغل شيئًا بالنسبة للمجرة. والمجرة لا تشغل شيئًا بالنسبة لمجموع المجرات السابحة في السماوات. يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر:٦٧] الله أكبر! هذه الأرضين والسماوات هي قبضة الله ومطوية بيمينه جل وعلا. إذًا من أنت بالنسبة لعظمة الله؟! من أنت بالنسبة لقوة الله؟! من أنت بالنسبة لملكوت الله؟! ما حجمك بالنسبة لجبروت الله جل وعلا؟! ثم بعد ذلك تجهل أن الله يوم أن شرفك وأمرك ونهاك، تجهل أنها كرامة لك! والله لو وقف أمامنا على هذه المنصة أربعة قلنا: هذا وهذا يعملان عند الأمير أو عند الملك أو عند الخليفة، وهذا وهذا يبيعان في السوق، لتبادر إلى أذهاننا أن الذي يعمل عند الأمير بحكم قربه من ذوي المناصب من خلافة أو ملك أو إمارة، أعظم في نظرنا، ولأن الخليفة أو الرئيس أو الملك أو الوزير يكلفه ويأمره وينهاه، ولا يأمر هذا ولا ينهاه لأن هذا له شرف ومقدرة ومكانة، ولذلك يُشَرَّف ويكلف بأن يفعل وبأن يُطلِق وبأن يتصرف فيما وُكِل إليه، نعرف أنها كرامة. فأنت ألا تشعر بكرامة الله جل وعلا لك الذي أمرك؟! أليس هذا تكريمًا؟! الذي نهاك! أليس هذا تكريمًا؟! الذي فضلك! أليس هذا تفضيلًا؟! لو وقف ذو منصبٍ عظيم وأخرج واحدًا من بينكم وقال: أنت، قلت: نعم. لم يختر هذا من بيننا إلا لأن له شأنًا. فالله جل وعلا قد جعل لكل مسلمٍ شأنًا وقدرًا عظيمًا إن هو عرف حقيقة الكرامة والفضل، وحقيقة العزة التي حباه بها، ولكن أكثر الناس لا يفقهون ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:١٨٧]. بل إن من الناس من يريد أن يتقمص أو يطلب ويستحث ما يسميه كرامة من البشر، وما هي إلا ذلة والله قد كرمه فوق هذا كله. فيا أحبتي في الله: ينبغي أن نشعر ونتفكر في عظم هذه المخلوقات، وفي عظم هذا الكون، وما فيه من مجراتٍ وسماواتٍ وجبالٍ وأرضينَ وظواهرَ كونية، وأمورٍ يعجز اللسان عن وصفها والقلم عن حصرها وذكرها، ثم ندرك أنها كلها في كنف الله جل وعلا وتحت أمر الله. إذًا هذا الدين الذي شرعه الله ورضيه لنا وأمرنا أن نلتزم به دينٌ عظيمٌ؛ لأن الذي شرعه وأراده عظيم وهو الله جل وعلا.

4 / 3