209

دروس الشيخ عبد الحي يوسف

تصانيف

حال الكفار في الدنيا قال الله: ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ [الغاشية:٣]، وهي صفتان: في الدنيا والآخرة. روى الإمام البخاري عن ابن عباس ﵄ في هذه الآية قال: هم النصارى. وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم: هم الرهبان في الصوامع. فربنا يصف حال هؤلاء الناس في الدنيا وأنهم كانوا في عمل متعب لكن ما النتيجة؟ يقول الحسن البصري ﵀: لما قدم عمر بن الخطاب ﵁ بلاد الشام جاءه راهب شيخ رث الهيئة، وسخ الثياب، يابس الجلد، فلما رآه عمر ﵁ بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: هذا المسكين طلب أمرًا فأخطأه، ورجى رجاءًا فلم يصبه، ثم تلا هذه الآية: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ [الغاشية:٢ - ٣]، ففي الدنيا كانت تعمل وتجتهد لكن في ضلال وكفر وبدعة، قال النبي ﷺ: (يجاء بأناس من أمتي يوم القيامة فيذادون عن الحوض -يمنعون من ورود حوضه ﵊ فأقول: يا رب! أمتي أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم بدلوا وغيروا). فقد كانوا في الدنيا في تعب في غير ما شرع محمد ﷺ، وكذلك الحال في قوله ﷺ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). وقد كان علي بن أبي طالب ينزل هذه الآية على الخوارج؛ لأن النبي ﷺ قال فيهم: (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وقراءتكم مع قراءتهم) ومع ذلك فهم كلاب النار، مع أنهم يكثرون من الصلاة وقراءة القرآن، لكنهم يكفرون أمة محمد ﷺ، ولذلك ليس لهم في الآخرة إلا النار. ثم إن هذه الوجوه التي كانت في الدنيا عاملة ناصبة تعبت كذلك يوم القيامة -والعياذ بالله- يقفون حفاة عراة في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة، ثم يسحبون في النار على وجوههم، ويعانون صعود الجبال والوهاد والوديان في حر النار، كما قال الله ﷿: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ [المدثر:١٧]؛ فيكلف صعود جبل في النار، كلما بلغ قمته هوى إلى قاعه وأسفله، وهذا حاله.

18 / 14