أثار القول أعصابها، ولكنها قالت بهدوء: كانت دائما موضع رعايتي، وعرفت في الخارج بالاستقامة ...
فترددت الأم ثم قالت: ربما كان أحد في الخارج ...
ولكنها قاطعتها: لا أظن ولا أتصور. - أمري لله. - هل نجري تحقيقا في السوق؟ الحق أنها لم تتأخر مرة دقيقة أكثر من المتوقع. - الأمر لله وهو المطلع ...
بلغ الضيق بجمالات حد الغضب. ترامي إلى مشمها رائحة طعام يحترق. هبت مسرعة إلى المطبخ فوجدت البامية قد جف ماؤها وشاطت. نسيت همومها وراحت تعالج الموقف بسخط إضافي. ولما رجعت إلى المدخل - وإلى الهموم - وجدت المرأة واقفة مرتبكة، فقالت لها: ابقي للغداء.
وقررت أيضا - بلا أدنى ارتياح - أن تهبها أجرة الرجوع إلى بيتها. وطيلة الوقت لم يخل رأسها من الفكر.
3
ما هذا الذي حدث؟ متى وكيف ومن؟ أم عنايات امرأة حائرة معذبة مكسورة الجناح، ولكنها تشير بأصبع الاتهام. ما حدث قد حدث وعنايات أمانة في عنقها. جاءتها وهي بنت سبع. ثمة مسئولية ولا شك. لا توجد قضية ولا توجد محكمة ولكن يوجد ضمير، وهي تستطيع أن تعصف بأي اتهام يوجه إليها، ولكن كيف السبيل إلى إسكات بلابل العذاب الخفي؟ لا تفسير للهرب إلا شيء واحد. القرية صادقة في ظنونها. الجريمة وقعت والبنت في خدمتها. تتابعت في مخيلتها صور زغلول ورمضان ومحمود. تنهدت مغمغمة: لكنهم أبنائي!
طنت الجملة في باطنها مثل شعار بال. عنايات جميلة. نضجت في بيتها قبل الأوان. فطنت في وقتها إلى تحذيرات جمالها الناضج. آمنت أنه من الأفضل إرجاعها إلى أمها. لم تنفذ فكرتها لشدة حاجتها إليها. وصادف ذلك ورود طلائع المرض. وأيدت سلبيتها بأن أم البنت أرملة وحيدة وفي حاجة إلى النقود. وأنها لن تستطيع على أي حال الاحتفاظ بها في بيتها. بنت رائعة فحتى الطهي أحسنته. في القرية يركزون المسئولية في الضحية. إنها هي أيضا ضحية. •••
اجتمعت الأسرة حول السفرة في منتصف الثالثة. لا يشغل بالهم إلا القضاء على الجوع عقب نهار برد وعمل مرهق. وجوههم مستبشرة. يبدو أن وجهها يقول شيئا ما، فها هو محمد فتحي زوجها يتساءل: ما لك؟
قالت وهي تبتسم: يوم بارد كئيب.
صفحة غير معروفة