صلى الله عليه وسلم ، ولما استطاع أن يرمي بهؤلاء المهاجرين والأنصار والتابعين العراق، وكان جزءا من ملك فارس - والشام - وكان جزءا من ملك الروم كما سنرى، إنما أراد عمر - إن صحت المقالة التي رويت عنه - أن بيعة أبي بكر لم تتم في أول أمرها عن ملأ من جماعة المسلمين وعن تشاور وإجالة للرأي، وإنما تمت فجاءة حين اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وهمت أن تؤمر سعدا، وحين حاورهم أبو بكر وصاحباه.
فهنالك رشح أبو بكر للأنصار عمر أو أبا عبيدة، وكره هذان أن يتقدما عليه فأسرعا إلى بيعته وتبعتهم الأنصار، ثم تتام الناس على البيعة بعد ذلك، ولو لم يجتمع الأنصار ويهموا بتأمير سعد لجرى أمر البيعة غير هذا المجرى، ولانتظر الناس بها حتى يفرغوا من دفن النبي
صلى الله عليه وسلم ، ولاجتمع أولو الرأي من المهاجرين والأنصار فتذاكروا أمرهم وأمر المسلمين، واختاروا من بينهم خليفة لرسول الله.
من أجل ذلك كانت بيعة أبي بكر فلتة فيما روي عن عمر، وقد وقى الله شرها؛ لأن المسلمين لم ينكروا هذه البيعة ولم يجادل فيها مجادل منهم ولا تردد فيها متردد، وإنما أقبلوا فبايعوا أبا بكر راضية به نفوسهم، مطمئنة إليه قلوبهم وضمائرهم، ثم نصحوا له بعد ذلك ما عاش فيهم، فلما مرض مرضه الذي توفي فيه أوصى لعمر بالخلافة على النحو الذي رواه المؤرخون.
والواقع أن القرآن لم يشرع نظاما لاختيار الخلفاء، وأن السنة كذلك لم تشر إلى هذا النظام، وإنما تعود المسلمون نظام البيعة أيام النبي
صلى الله عليه وسلم ، حين كانوا يبايعونه على الإسلام بمكة قبل الهجرة، وحين بايعه نقباء الأنصار على أن يؤووه وينصروه ويسمعوا له ويطيعوا، وحين كانوا يبايعونه على مثل ذلك في المدينة: يبايعه الرجل عن نفسه حين يسلم، ويبايعه الوفد عن قومهم حين يسلمون، ثم حين بايع أصحابه على الموت يوم الحديبية، وبايعته قريش على الإسلام يوم الفتح. ثم تتامت مبايعة الوفود له عن قومهم، فاستقر في نفوس المسلمين من أجل هذا أن الخلافة عن النبي يجري أمرها مجرى سلطان النبي في حياته، أي تقوم على المبايعة.
ونظرا للفرق الواضح بين النبي وغيره من الناس كان هناك فرق في نفوس المؤمنين بين مبايعة النبي ومبايعة الخلفاء، فقد كان النبي يوحى إليه ولم يكن يبايع عن نفسه وحدها حين يبايع، وإنما كان يبايع عن الله الذي أرسله أولا وعن نفسه بعد ذلك.
ومن أجل هذا قال الله - عز وجل - في سورة الفتح بمناسبة بيعة الحديبية:
إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما .
من أجل هذا لم يكن لمن يبايع رسول الله أن يتحلل من بيعته، لا لأنه إن فعل كان ناكثا لعهده مع النبي فحسب، بل لأنه إن فعل كان ناكثا مع ذلك لعهده مع الله عز وجل، ولم يكن لمن بايع النبي أن يجادله أو ينكر عليه شيئا مما أنزل الله في القرآن، أو مما أنطق نبيه به من الوحي في تفصيل ما أجمل القرآن، وفي تعليم الناس ما يقيم أمورهم في الدين والدنيا.
صفحة غير معروفة