فقال: لقد احتظرت بحظار شديد من النار.
أقول: الحظار بالكسر ويفتح كل شيء حجز بين شيئين، واحتظر به احتمى؛ أي لقد تحصنت بحصن شديد من النار.
قال الأستاذ: وعند الإمام أحمد في مسنده من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ما من مسلمين - يعني أبوين - يموت لهما ثلاثة من الأولاد إلا أدخلهما الله الجنة برحمته، قالوا: يا رسول الله! واثنان، قال: واثنان قالوا: وواحد، قال: وواحد، والذي نفسي بيده، إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة.
أقول: السقط مثلث السين الولد يسقط من بطن أمه لغير تمام، والسرر بفتحتين ما تقطعه القابلة من سرة المولود، وهذا كناية عن أن السقط يكون سببا في دخول أمه الجنة.
وهكذا ينهي المغربي تلخيص القسم الثاني من كلام الأستاذ الحسني.
ثم يذكر في عدد يوم السبت 27 جمادى الثانية سنة 1334ه/29 نيسان 1916م بقية كلام الشيخ وشرح الغامض منه ويكتب في الخاتمة ما يلي: حين بلغت هذا الموضع شعرت نفسي بشيء من الملل وخدر الأصابع فألقيت القلم من يدي وكففت عن الكتابة، أما الأستاذ فبقي يواصل الكلام من دون تلعثم ولا إحجام، ومدة درسه عادة ثلاث ساعات يحدر الأستاذ فيها المسائل حدرا لا يتخلله سكوت ولا يقاطعه من الحاضرين سؤال، وكل المسائل التي يلقيها تكون تعليقا على «الحديث» الذي كان قد افتتح به الدرس، وهو يجعل من تلك المسائل تناسبا دقيق اللحام، ويفرغها بأسلوب حسن السبك والنظام، ولا يذكر حديثا ما لم يرو سنده ويعين مأخذه فمستمع درسه يعجب من ذلك الاستحضار، كما يعجب من فصاحة ألفاظه وصحة تراكيبه حتى لو أمكن كتابة ما يمليه الأستاذ في درس واحد وطبع ذلك ونشر بين الناس كان لهم منه كتاب يبلغ حجمه عشرة أجزاء من القرآن، وقد تضمن أبحاثا جمة في أنواع العلوم الإسلامية.
ونحن في المسائل التي لخصناها من درس الأستاذ لقراء «الشرق»، لم نلخص إلا قليلا من كثير ووشلا من غدير، وما يجده القارئ فيه من خطل أو خطاء أو قول هراء فهو منا وتبعته راجعة إلينا، والأستاذ بريء منه وعيبه طاهر عنه ...»
وقد استمر المغربي يحرر في جريدة «الشرق» الشرق المباحث الأدبية واللغوية والإصلاحية، وبعض المقالات السياسية، طوال فترة الحرب العالمية الأولى، فلما وضعت الحرب أوزارها، ودخلت الجيوش الأجنبية إلى دمشق انزوى في بيته منصرفا إلى التأليف، وكتابة مقالات العلم واللغة والأدب.
ثم عهد إليه، حين أسس الملك فيصل الأول الجامعة السورية بدمشق، أن يصحح لغة كثير من التآليف العلمية فيها، ولا سيما في كتب كليتي الطب والحقوق، فأصلح لغتها، وأدخل فيها ألفاظا جديدة، ودرس اللغة العربية وفقهها للطلاب.
وكان إلى جانب تدريسه، وتصحيحه للكتب، يزود مجمعي دمشق والقاهرة، ثم مجمع بغداد، بالمقالات والبحوث والتعليقات، وقد أهمل الكتابة في الصحف اليومية - هذه الفترة من عمره - إهمالا تاما لاعتقاده بأنه قد أدى قسطه نحو أمته في هذا الحقل.
صفحة غير معروفة