شوقي: صداقة أربعين سنة

شكيب أرسلان ت. 1368 هجري
150

شوقي: صداقة أربعين سنة

تصانيف

ولولا الصدى ما طاب ورد ولا حلا

لك الشهد إلا من مرارة علقم

عسى تعتب الأقدار والهم ينجلي

وينصاح صبح السعد في جنح مظلم

وأهديك في ذاك المقام تهانئا

حبيرة مسد في ثناك وملحم

فأنت ترى من كل حرف من حروف قصيدتي هذه حالتي النفسية التي تتلخص في هذه الجملة: إن البارودي هو إمامي في الشعر. ولا أنكر أنني قبل أن قرأت شعر البارودي بدلالة الشيخ محمد عبده كان سبق لي نظم غير قليل، وكان اطلع عليه الشيخ محمد عبده نفسه، فقال لي في اجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت، وقد عرفوه بي: أنت ستكون من أحسن الشعراء. وكذلك قال العلامة الشيخ إبراهيم الأحدب الذي كان الصدر المقدم في الأدب وقد قرأ لي أبياتا في إحدى الجرائد، وأنا بعد في المدرسة: إن هذا الولد سيكون شاعرا. إذن لم يكن نظمي للشعر موقوفا على حفظي لشعر البارودي ولكن هزني من شعر هذا الرجل ما لم يهزني شعر شاعر من أول وآخر، فكنت أرى منتهى السعادة في أن تكون لي معه مراسلة وأن أمت إليه بصلة، كما كنت أحن إلى مثل هذه العلاقة مع السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده بما أسمع عنهما وأقرأ لهما إلى أن ظفرت بذلك، وجميع الشبان المتأدبين كما لا يخفى لهم ولوع شديد، بل هوس بتقليد كبار علماء عصرهم، ووجد مبرح للاتصال بهم والأخذ عنهم، وهو ما قد عبرت عنه من جهة محمود سامي في قولي:

أفي كل يوم فيك وجد كأنه

طوى جانحا مني على نار ميسم

أحمل ريح الهند كل تحية

صفحة غير معروفة