إن ذرة من البغض كشرارة من نار؛ إن وجدت وقودا ومشعلا ونافخا، التهبت وسيطرت وأحرقت اليابس والرطب. ورب شقاء بيت من ذرة من الكره وجدت ثقابها ووقودها بالكلمة الخبيثة والفعلة السيئة! ورب حرب متمادية بين الجماعات والأمم نشأت كما تنشأ النار من الشرار!
وكذلكم سبيل الحب: هو كالنواة الطيبة إن وجدت غارسا وساقيا ومتعهدا؛ علت وامتدت وأظلت وأثمرت وثبت أصلها وينع فرعها.
عليكم أيها الناس بالحب فأشيعوه، واجعلوه صلة الواحد بالواحد، والجماعة بالجماعة، واحذروا البغضاء أن تؤرثوها فتكون في الصدور نارا، وفي الأرض دمارا، وعلى التاريخ ثارا.
السبت 21 شوال/5 أغسطس
الذكر
خلقت ألوفا لو رجعت إلى الصبا
لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
أتأهب للسفر من جدة وقد لبثت في الحجاز سنتين، ذهبت فيها إلى نجد ثلاث مرات. وكم دعاني الشوق إلى مكة والمدينة فلبيت، وكم سارت بي الفكر والذكر والعبر في معاهد المدينتين المشرفتين، وكم طوفت في أرجائها كأني أطوف في العصور، وأجول في نواحي التاريخ! إن ذكريات المدينة ومكة وما حولهما لأعظم من أن تذكر في سطور، وأعز من أن يرضى القلم فيها بالعبور. وإن لها لصفحات في كتاب الرحلات، وإن لها في النفس صفحات أوسع وأجمل مما في الكتاب، وإن لها في الحقيقة صفحات أكثر وأجل مما في نفسي.
وغير مكة والمدينة مما ليس له شأنهما وجلالهما. كم سرت بين جدة ومكة، وبين جدة والمدينة فما والله ما مللت ولا شقت علي المشقات، كم عبرت أم السلم وبحرة، وحدة والحديبية، وطمحت إلى قمة حراء مرات حين قاربت مكة. والطريق بين جدة والمدينة على وعورتها ومشقتها قطعتها عشر مرات، فما شكوت ولا سلوت ولا صرفتني مشقة عن رجاء المعاد إليها. والسفر بين ينبع إلى الوجه ذهوبا وأوبة، وبين مكة والرياض سفرتين، تشوقني معاودته ومكابدته.
وما ينقص ذكراها إلا أني طويتها عجلان، ولم ألبث بها كما تمنت العين والقلب. إن كثيرا من الناس يرون في هذه القفار أرضا وعرة أو سهلة، وطريقا صعبة أو ذلولا، ولكني أقرأ فيها صفحات، وأسعد فيها بذكريات وأستمتع بها استمتاع الأديب يقرأ سطورا بليغة عسيرة، وهأنذا أفارق جزيرة العرب وما قضيت الوطر من معاهدها، ولا أديت حق التاريخ فيها. وفي النفس أمل في العودة، وشوق إلى الأوبة.
صفحة غير معروفة