117

يسمع الإنسان من أخبار الحرب كيف قتلت ودمرت وشردت، ورزأت والدين في أولادهم، أو أطفالا في والديهم، وأخرجت أناسا من ديارهم يهيمون في الأرض، قد بدلوا بالغنى فقرا، وبالشبع مسغبة، وبالعزة ذلة، وبالقرار اضطرابا، وبالطمأنينة قلقا.

نسمع أنباء هذه الكارثات أو نقرؤها ونحن في عافية من هذا البلاء، موفورون ناعمون فكهون، ونحسب أننا شعرنا بما يلاقي المرزءون. ولا أقول ليس الخبر كالعيان، بل أقول: أين من النار صورة النار في الماء؟!

وكذلكم كل ألم يصيب الإنسان في هذه الحياة، وكل مشقة يعانيها، وكل هم يكابده لا يقدره إلا من يحسه، ولا يعرفه إلا من يكابده. نسأل الله العافية.

وكذلكم كل ألم نفسي يصيب الإنسان، كل خيبة في أمل وكل حسرة على فائت، وكل ندم على مكرمة أفلتت، أو مخزاة وقعت، نقرأ أخبارها أو نسمع أنباءها فنرثي لأهلها، ونواسيهم أحيانا، ويخيل إلينا أننا شاركناهم ووجدنا ما وجدوا، والحق أننا أبصرنا أو لمسنا صورة النار في الماء.

هكذا كل أمر في هذه الدنيا، ليس سامعه كرائيه، ولا المخبر عنه كمن يعانيه، وقديما قال المتنبي:

لا تعذل المشتاق في أشواقه

حتى يكون حشاك في أحشائه

فليقدر ذلك من ينظر في أمور الناس، ومن يتعرف أحوالهم، ومن يستقرئ تاريخهم، ليذكر كل حين أنه شتان بين النار وبين صورة النار في الماء.

الإثنين 28 ذي القعدة/11 سبتمبر

الشهوات لا المروءات

صفحة غير معروفة