وبعد خروجه شعرت سالمة بارتياح أنساها بعض ما بها من الاضطراب، فافترشت جانبا من الغطاء وتغطت بباقيه وتوسدت تلتمس النوم، وكانت قد شعرت بالتعب على أثر ما قاسته في ذلك اليوم وما قبله، فغلب عليها النعاس فنامت نوما عميقا.
ولما أفاقت جاءها رودريك بطعام الصباح وتولى خدمتها في كل ما تحتاج إليه، وتفرست فيه على ضوء النهار فتحققت من أنه بعيد الشبه عن الإفرنج وقريب الملامح من العرب، ولكنها رأته يتكلم الإفرنجية مثل أهلها واسمه إفرنجي فعزمت على استطلاع حقيقته بعد أن تأنس فيه ثقة بها، مخافة أن تبدو منها كلمة تزيد نقمة أود، إذا هي بلغته.
الفصل السابع والأربعون
السفر
قضت سالمة في ذلك الأسر أياما وهي ترقب حال أهل القصر لعلها تجد سبيلا للفرار، فإذا هم شديدو العناية بحراستها، كثيرو التضييق عليها وكان جماعة منهم موكلين بحراستها ومراقبة حركاتها، فعلمت أن أود مع تغيبه عنها وإهماله مقابلتها شديد الحرص على استبقائها في ذلك السجن.
فلما طال بقاؤها على تلك الحال سئمت الإقامة وتزايد قلقها على جند العرب لعلمها أنهم في انتظارها على مثل الجمر، ولكنها لم تكن ترى بأسا من تأخرها عنهم؛ لأنها توقن بأنهم فائزون في فتحهم حتى يبلغوا بواتيه، ثم هي لا تخاف عليهم أود وجنده؛ لأنه غلب غير مرة على أنها كانت تخاف على مريم من غدر ميمونة، ثم هي رجحت أن الكتاب الذي جاء به ذلك الأحول إنما هو من ميمونة، ولكنها لم تفهم فحواه تماما فلبثت تتوقع فرصة للاطلاع على ذلك من رودريك.
وأصبحت ذات يوم فسمعت ضوضاء الجند على غير عادتهم، فأطلت من النافذة فرأتهم يقوضون الخيام وقد أخذوا في التأهب للسفر، فانشغل خاطرها وأوجست خيفة من ذلك الانتقال، لكنها رأت في ذلك سبيلا لمخاطبة رودريك فيما قد يكشف لها شيئا من ذلك السر، فلما جاءها في ذلك الصباح ومعه الطعام ابتدرته قائلة: «مالي أراكم تتأهبون للسفر، هل أنتم مسافرون جميعا أم أن بعضكم سيبقى هنا؟»
قال: «إننا مسافرون جميعا، وقد أمر حضرة الدوق أن تسيري معنا.»
قالت: «وإلى أين؟»
قال: «إلى تورس على نهر لوار.»
صفحة غير معروفة